نظرة عامة:
بينما أتهيأ للعودة إلى الفصل في سبتمبر لبدء عامي التاسع عشر في التعليم العام، قررت أن أقبل حقيقة أن امريكا ليست كما كانت حين وقفت آخر مرة أمام طلابي في يونيو. نعم، نذهب إلى العمل ونشاهد كرة القدم. ما زلنا مدمنين على وسائل التواصل الاجتماعي. لكننا أيضاً أصبحنا مجتمعاً يطارد الضعفاء بدل أن يعينهم. تجلّى هذا الشعور بوضوح قبل أسابيع عندما مررت بنقطة تفتيش مرابطة فيها عناصر وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) في سيارات غير معلمة.
أُدرّس مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الصف الثاني عشر في مدرسة حضرية حيث يرتفع معدل الفقر ويشيع العنف. كرّست مسيرتي المهنية لخدمة هذه الفئة. العمل مرهق في كثير من الأحيان، لكنه الأهم على الإطلاق، وأنا ملتزم به إلى أقصى حد.
شهدنا في الآونة الأخيرة تحوّلات سريعة وجذرية: أُموّلت أجهزة إنفاذ القانون الفدرالية في واشنطن؛ والقيادة اقترحت تعميم هذا النموذج على مدن أخرى؛ تحدث مداهمات في متاجر كبيرة ورياض أطفال؛ تم تقليص دعم الإذاعة العامة ووزارة التعليم؛ وفي الوقت عينه نرى مخيّمات مهاجرين تنتشر. التغيرات كانت دراماتيكية، وفي أحيانٍ قاسية، وُفِّقَت بسرعة البرق.
يبدو أن البلاد تنحدر نحو شكل من أشكال الاستبداد، أو شيء يشبهه تماماً، ولا أدري إلى متى سيستمر هذا الانزلاق. لقد شنّ القائد هجمات على الجامعات والمتاحف، وتجاوز ضمانات الإجراءات القانونية والحق في الطعن، ووجّه استهدافاً إلى مواطنين عاديين، ورفع دعوى ضد صحيفة بمبلغ عشرة مليارات. في ولاية أوكلاهوما، أصبح على طلاب المدارس العامة الآن أن يحددوا «التباينات» في انتخابات 2020 الرئاسية. القائد، بطبيعة قوله، لن يخسر أبداً انتخاباً «حراً» و«نزيهاً».
لو كنت أدرّس المراحل الدنيا لكانت حصصي مليئة بتدريبات النحو واختبارات المقالات؛ لكن هذا ليس خياراً مع طلبة الصف الثاني عشر. بحلول وقت وصولهم إليّ تكون متطلبات اختبارات اللغة على مستوى الولاية قد أُنفِذت، لذلك يصبح منهجي كل ما يمكن قراءته أو كتابته أو التحدث به. في بداية كل عام أقول للطلبة الجدد: مادة الإنجليزية 12 شرط للدخول إلى العالم الحقيقي، وهكذا علّمتها دوماً. لا سؤال عسيرٌ جداً، ولا نقاش محفوف بالمخاطر لا يُطرح.
نعم، لدي مشرفون ومعايير التزامٍ، لكن عندما يرن الجرس وتبدأ الحصّة فأنا العرض بأكمله. لا يمكن تزييف ذلك؛ الطلاب يقرأون أماكن الضعف بسرعة. هل أتوقف عن تناول الأحداث الجارية لأن دورة الأخبار محتدمة، محرماً طلابي من تدريب ثمين على الإلقاء؟ هل أُلغي مشاريع البحث وتمارين التفكير النقدي؟ هل أتملّص من الحقائق المزعجة؟ لمن يعود ذلك بالنفع؟
أنا لست مجرد مدرس؛ أنا وكيل للتغيير الاجتماعي. أؤمن أنه عندما يُمنح الصغيرون قوة التعبير، تتحسّن مجتمعاتنا. رهنت إرثي بهذه القناعة. لكني أيضاً زوج وأب، ولدي ما أخسره. إن أغضبت القائد بشيء قلتُه داخل الصف—even لو كان دقيقاً تماماً—فالعواقب قد تكون أي شيء. لم أكن أفكر في ذلك سابقاً، لكني أفكر الآن.
عن القائد قال المعلق المحافظ جورج ويل: «يريد أن يتغلغل في كل شيء في الحياة. لا شيء خارج حدوده.»
لا أدّعي أن ما يحدث الآن هو أول مرة يواجه فيها المعلمون معضلة سياسية في تاريخ البلاد. تعليم خلال ذعر الأحمر (Red Scare) كان يبدو مخيفاً، وأعرف من تجربتي كيف كان قاسياً خلال جائحة كوفيد. هذه المهنة لم تكن يوماً سهلة. اتُّهمتُ بالتلقين، ووسموني بالشيوعية، واعتبروني «واك»؛ لذلك وُجدت الحصانة الوظيفية والنقابات. لكن هذه الحقبة تبدو مختلفة وغير مختبرة.
أنت إما مع القائد أو ضدّه.
ماذا تفعل؟
تقف وتُقاوم أم تذعن وتُطوِع نفسك؟
في مارس 2020، عندما أجبرت جائحة كورونا المدارس على الإغلاق، راودتني رؤية مروّعة لرجال بقبعات صلبة يدخلون فصلي في مستقبل بعيد، كل شيء مغطى بالغبار والظلام، وأرى أحدهم يعثر على شيءٍ يحمل اسمي ويقول، «كان هنا رجل يُدعى هوبا عندما ضربت الجائحة.» الآن تغيّرت الرؤية: أرى رجالاً بكمامات وأحذية سوداء يكسرون بابي ويجرّونني بعيداً.
تحت نظره.
ملاحظة للقارئ: في رواية “قصة الأم الخادمة” (The Handmaid’s Tale) لمارغريت أتوود (1985)، تأتي عبارة «تحت نظره» كتحية ورحيل في آن واحد، للدلالة على أن الإله، أو بالأحرى النظام الحاكم في جيليد، يراقب دائماً. هي تذكرة مستمرة بالمراقبة وسلطة الدولة الحاضرة في كل مكان، تهدف إلى فرض الامتثال وقمع التمرد.
نبذة عن الكاتب:
براين هوبا يعمل في مدرسة ثانوية بولاية نيويورك الشمالية حيث يدرّس اللغة الإنجليزية لطلاب الصف الثاني عشر. نشر مقالات رأي في صحف مثل سان فرانسيسكو كرونيكل، شيكاغو تريبيون، ساوث فلوريدا صن-سنتينل، الديموكرات آند كرونيكل، جورنال نيوز (نيويورك)، بوست-ستاندرد (سيراكيوز)، نيويورك ديلي نيوز، تايمز يونيون، ويوتيكا أوبزرفر-ديسباتش. ظهرت مقالاته في مواقع ومجلات مثل ذا إديوكاتورز روم، ويلدرنس هاوس ليتي راري ريفيو، بايوستوريس، مين ماترز أونلاين جورنال، فوغيلين فيو، ذا سوبرستيشِن ريفيو، والساتيريست. كذلك نُشِرَت كتاباته النثرية الإبداعية في منصات ومجلات أدبية متعددة منها 101 ووردز، ريد ماغازين، ذا جريفن، داون إن ذا ديرت، ليتريري جوس، وذا ستوريتيلر.