«آسيا ناو» معرض ومهرجان وحاضنة للإبداع الفني في باريس

باريس — عند مدخل جناحها في معرض Asia Now، شجعت صاحبة المعرض لِه ثيِن-باو الزوّار قائلةً: «تفضلوا، لمسوها!». بدافع حماسها، خرقت القاعدة المعتادة بعدم لمس الأعمال الفنية ولمست سيراميكيات الفنانة الفيتنامية Hà My Nguyễn، ذات السطوح الشحمية التي بدت حية تقريبًا. داخل القاعات الكبرى في La Monnaie de Paris، وعلى مسافة خطوات من اللوفر، ظلّ جو المعرض غير متأثر بالسرقة المثيرة للجدل التي تعرّض لها المتحف مؤخّرًا؛ الحضور كان دوليًا، متعدد الثقافات، ومندفعًا بتركيز واضح، ما عزّز سمعة المعرض كبوتيك فني راقٍ.

المعرض، الذي تستمر فعالياته حتى 26 أكتوبر وفي دورته الحادية عشرة تحت عنوان GROW، يجمع حوالى سبعين صالة عرض من 28 إقليماً آسيويًا. يفخر المعرض ببرنامج تم تنسيقه بالتعاون مع مؤسسات ومنسقين من أنحاء القارة، مثل Lahore Biennale Foundation وCOLOMBOSCOPE، ويضمّ تنصيبات وعروض أداء (غالبًا في ساحات La Monnaie)، بالإضافة إلى ورش للأطفال وحوارات ومحادثات فكرية.

بعد حضور حوار مع القيّمة صوفيا لانوس، والفنان ساجد واجيد شيخ، وصاحب المعرض ساهل أرورا حول الأصوات الناشئة في جنوب آسيا، توجهت إلى جناح Method Art Space من مومباي الذي يعرضه أرورا. كقادم جديد على المعرض، قدّم أرورا مجموعة من فنانين هنود وباكستانيين تحت عنوان We Were Always Neighbors. شرح أن السياسة تمنع عرض فنانين باكستانيين في الهند والعكس في باكستان، فباريس شكلت أرضًا محايدة مناسبة للقاءات فنية؛ الجمهور أبدى فضولًا كبيرًا وكانت المحادثات متنوعة وكوزموبوليتانية إلى حدّ بعيد.

التنقّل في المعرض سهّلته الساحات المفتوحة المترابطة. عبرت الفناء المركزي الذي احتلّت أجزاء منه تركيبة “Threaded Whole” (2025) للفنان اللبناني باسكال هاشم: مجموعة ضخمة من الأثاث الخشبي مقطّع إلى مقاطع عرضية، ليقوم الراقصون لاحقًا بتحريكها. ثم واصلت طريقي صوب خيمتين تضمان نحو ثلاثين صالة عرض، ومن هناك منطقة Now On المخصّصة لصالات تأسست بعد 2015، حيث كثرت الأعمال «الجاهزة» ذات القياسات الصغيرة التي تملأ الفضاء دون أن تغيّره جوهريًا. ولو أن التخطيط والإشارات أربك أحيانًا تحديد انتماء الأعمال إلى أجنحتها، فإنّ هذا الأمر حمل فائدة: شجّع على محادثات عفوية بين الزوّار وأصحاب الصالات، بل وساهم فنانون أحيانًا في هذه الحوارات.

يقرأ  لوري أندرسون: ليست هنا للعب

معماريًا، بدت صالات الطابق الأول أكثر نجاحًا، فقد استفادت من تنظيم أوضح وتأثير بصري مهيب ناجم عن محيطها التاريخي الفاخر. إطلالة نهر السين من النوافذ خففت من حالة الرتابة التي تنتاب المرء عادةً في صفوف الأكشاك المغلقة. على السلم الباليه الكبير عُرضت تركيبـة الفيديو ثنائية القنوات “I Will Never, I Also Like Ever” (2024) لسارة براهيم، التي تصور أجسادًا تحلّق، بينما تعلّقت من السقف أعمدة ضخمة من رمال محروقة وقماش ورقي في مجموعة “Topographies of Belonging, Homeskins I to V” (2025) لمهند شونو. هذَان الفنانان السعوديان جزء من قسم أخرجه أرنو ميرانـد ويعكس تركيز المعرض هذا العام على غرب آسيا.

الطابق العلوي احتوى بدوره على مفاجآت لافتة: جناح Esther Schipper قدم عرضًا فرديًّا متعدد الوسائط مفعمًا بالألوان للفنانة Cemile Sahin؛ Carlier Gebauer جَمَع بين الفنانة المصرية إيمان عيسى والفنانة الفليبينية ماريا تانغوتشي في ثنائية أنيقة؛ وجناح Kaikai Kiki من طوكيو عرض سلسلة لوحات صغيرة ورقيقة تصور مشاهد من الحياة اليومية اليابانية للفنان Iori Nagashima. كما أسرني جناح Sabrina Amrani المقيم في مدريد بتنقيحه المحكم، حيث تعرفت إلى فنانات سأتابع أعمالهن مثل منال الدويّان التي قدّمت لوحات أكريليك بخطوط حدودية دقيقة لأجساد نسائية ذات حمولة سياسية، وإلى إنجازات جونغ أوه المكانية التي بدت كأنها تطفو في الهواء.

في جناح Arario من سول لفت انتباهي عمل “Lottery Village” (1998) لكيم سون-غوي، الفنان الكوري الموالي لباريس: مدينة صغيرة بمقاسات ألعاب الأطفال بُنيت من الكرتون، وكل واجهة تم تغليفها بعناية بتذاكر يانصيب ملونة ومهملة — عمل ساحر في مادته؛ في المقابل، كان نص البيان الصحفي المرافق مفرطًا في التفسير، وحاول قراءته كمحصلة نقدية للرأسمالية بنبرة تبدو واهية مثل الكرتون نفسه.

يقرأ  عشّاق الألعاب في الهند يلجأون إلى مواقعٍ غير قانونية بعد حظر القمار

بالمجمل بدا المعرض كهمس لطيف أكثر منه ضجيجًا، رغم أن ملاكات الصالات أفادوا بعكس ذلك عمليًا. «المعرض كان ناجحًا جدًا بالنسبة لنا»، قالت سابرينا عمّاني، المشاركة المخضرمة، مشيرةً إلى مبيعات لأعمال إلى مؤسسة ماليزية، وأخرى سويسرية، وبلجيكية، إلى جانب جامعين من أستراليا وجاكرتا.

بعد ساعات من التجوال بين الأجنحة، وتبادل الانطباعات مع فنانين وزوار وأصحاب صالات، والاستماع إلى حلقات النقاش، حان وقت المغادرة. قرب المخرج لقيت القيّمة أنيسة تواتي التي قالت لي قضيتها السابقة على فنجان القهوة: «هو معرض، هو مهرجان، هو بنك أفكار».

أضف تعليق