آيونغ كيم نجمة كورية تفرض حضورها في نيويورك عبر موما PS1 ومهرجان بيرفورما

ربما أكثر من أي عمل فني آخر صُنع في عقد العشرينيات، يلتقط فيديو أيونغ كيم Delivery Dancer’s Sphere (2022) ذلك الشعور المدوّي والمضطرب الذي ميّز جزءًا كبيرًا من العالم أثناء إقفال كورونا. لكنه ليس فيديو عن العزلة أو المرض، ولا عمل عن الجائحة بالمعنى الحرفي. بل يتناول أمرًا مختلفًا تمامًا: تجربة أولئك الذين عانوا فعلاً—ونجو—بينما اغلبنا تمترس في منازلنا، وكيف استدعى هؤلاء عوالم جديدة لأنفسهم داخل مجتمع متغيّر.

تتمحور حبكة الفيديو الملتبِسة حول عاملتين توصيل تتنقلان بسرعة في سيول، مقر إقامة كيم، على درّاجات بيضاء أنيقة. تبدو المرأتان متنافستين وفي الوقت نفسه جذابتين لبعضهما بشكل قهري. أثناء تأديتهما لمهام التوصيل، يتعرّفان على أزقّة متلوّية بمساعدة تطبيقٍ رقمي، وتطيران عبر الفضاء وتخوضان معارك. أحيانًا يتحول لقطٌ وثائقي إلى مشهدٍ كرتوني على طريقة الأنمي؛ كما استعانت كيم بالذكاء الاصطناعي ومحركات الألعاب لإنتاج بعض صورها.

مقالات ذات صلة

اقتربت كيم من عاملات التوصيل في الواقع لتجعل Delivery Dancer’s Sphere نابضًا بالحياة؛ لقد ترصّدت إحداهن أثناء الجائحة. «كان لدي شخص قابلته، عاملة توصيل ماهرة ومذهلة، وفهمت أنه من المستحيل أن أعرف كيف تكون التجربة إلا إذا تبعتها»، قالت كيم لي مؤخرًا عبر زووم من استوديوها في سيول. «فطلبت منها أن تُحضِرني معها».

شاركت الفنانة شاشتها معي وعرضت عرضًا شرائحيًا (PowerPoint) يحوي مئات الشرائح. توقفت عند شريحة تحتوي صورًا لشخصٍ مرتدٍ خوذة يحتضن عاملة توصيل تنطلق على الطريق. «هذه أنا»، قالت كيم عن الراكبة التي تصحبها. «كان ذلك محرّرًا حقًا»، وأضافت، إذ سمح لها بزيارة «الكثير من الأماكن الغريبة والمجهولة والمخفية التي لم أزرها من قبل، رغم أنّي مألوفة جدًا بالمدينه».

أيونغ كيم، Delivery Dancer’s Arc: Inverse (لقطة ثابتة)، 2024. بإذن الفنان ومركز ACC

رصدت أيضًا كيف تتنقّل تلك العاملة يوميًا عبر تطبيق صاحب العمل، مسافِرةً بحسب خريطة رقمية وقابلة للطلبات وتُرفضها مرارًا وتكرارًا. «ما يقرب من 99 في المئة من الناس المعاصرين هم التِكنو-بريكاريا»، قالت كيم، في إشارة إلى طبقة أصبحت حياتها هشة بفعل حكومات شركات التقنية الكبرى. «لا نعرف ما الذي يحدث فعلًا وراء أنظمة شركات التكنولوجيا الكبرى. أودّ أن أفهم كيف يعيدون تشكيل فهمنا للزمن والآنية».

تنتج كيم منذ أكثر من عقد فيديوهات وتركيبات فكرية حول العمل والرأسمالية والعوالم المقبلة. ومع أنّ أعمالها عُرضت على نطاق واسع في كوريا الجنوبية، فإن حضورها في الولايات المتحدة وأوروبا بدأ يتسع مؤخرًا.

يقرأ  أبرز أجنحة معرض «القرن العشرون المستقل»

استحوذت مؤسسة تيت في لندن على Delivery Dancer’s Sphere من معرض Frieze Seoul عام 2022، ومنذ ذلك الحين عُرض الفيديو ومقتطفاته مرات متكررة، آخرها على واجهة متحف M+ في هونغ كونغ أوائل هذا العام. وبعد عرضه في متحف هامبورغر باهنهوف في برلين هذا الربيع، سيتجه Delivery Dancer’s Sphere والفيلمان الآخران في سلسلة «Delivery Dancer» إلى موما PS1 في نيويورك، حيث تنظّم كيم أول معرض منفرد لها في الولايات المتحدة، والذي يُفتتح هذا الأسبوع. وفي وقت لاحق من هذا الشهر ستقدّم كيم عملاً جديدًا ضمن السلسلة—قطعة بالتقاط الحركة تضم مؤدين مؤقتين حيّين—في مهرجان Performa بنيويورك.

«الكثيرون يعملون بالذكاء الاصطناعي، وكثيرون يعملون بالبيانات، لكنها تخطو خطوات إضافية»، قالت دِفني أياص، قيّمة تكليف كيم في Performa. «أظن أن عالم الفن كان ينتظر شخصًا مثلها.» وقالت أياص نصف مازحةً إن كيم «نبيّتنا».

كان وتيرة العمل مكثفة على كيم، التي فازت مؤخرًا بجائزة قيمتها 100,000 دولار من متحف غوغنهايم وLG. كانت تعمل في الغالب بمفردها، لكن في العامين الماضيين ضمت إلى فريقها خمسة مدراء استوديو بدوام كامل، اثنان فقط مكلفان بمساعدتها على استخدام محركات الألعاب وغيره من التقنيات؛ أما الثلاثة الباقون فمهمتهم مساعدة كيم على التواصل مع شركائها العِدّة. وفهمت كيم، البالغة من العمر 46 عامًا، مؤخرًا أنّها لم تعد «تلك الفنانة الشابة» كما كانت تقول.

ورغم زحمة المعارض والتكليفات، أولت كيم وقتًا لمشاهدة الأفلام والمسلسلات في أوقات الفراغ. خلال زوومنا كشفت عن طيف واسع من الإلهامات، من ضمنها Æon Flux، سلسلة متحركة على MTV في التسعينيات عن امرأة قوية تتقلّد دور عميلة سرية في عالم مستقبلي، وأمثلة أحدث من نوعية الأنمي المعروفة بـ GL أو Girls’ Love، التي تركز صداقات أنثوية ذات أبعادٍ غزلية. وصفت «افتتاني بالعلاقات الانثوية-إلى-الانثوية، والعدائية بين النساء، والحب والرومانسية، والأمور العاطفية المتشابكة».

رغم الدور الذي لعبته وسائط الصورة المتحرّكة في تشكيلها كفنانة، ورغم عرض أعمالها في مهرجانات سينمائية، قالت إنّه وفقًا لـ«العقيدة المُلزِمة والسلطوية»، لا تُعرَف أعمالها كسينما. ولا تتسم أيّ من أعمال «Delivery Dancers» بحبكة سهلة المتابعة، والقطعة الأخيرة في الثلاثية، تركيبة ثلاثية الشاشات مذهلة بعنوان Delivery Dancer’s Arc: 0° Receiver (2024)، تنتقل بتواتر بين أنواع سينمائية ونسب أبعاد شاشة مختلفة.

يقرأ  عشرات الجرحى في إيطاليا: إضراب وطني تضامناً مع غزة

أيونغ كيم، Delivery Dancer’s Sphere، 2022. بإذن الفنان وصالة العرض هيونداي

ولكن كيم تتعامل مع أعمالها كما يفعل صانع الأفلام التقليدي، تكتب قوائم لقطات مطوّلة وترسم مخططات سردية للمشاهد قبل التصوير. «أحاول وصف كل تسلسل بتفصيلٍ مكثّف، لأن عليّ مشاركته مع فريق الإنتاج»، قالت. لكنها أضافت أيضاً: «في مرحلة التحرير أغيّر الحبكة بشكل ملحوظ، خصوصاً تسلسل المشاهد. أصيغها في النهاية على نحو أشد تعقيداً، أقرب إلى متاهة سردية».

أعربت عن توقير عميق للأفلام ذات الطابع المحيّر والمُحاكٍ للغموض، مشيدة بتحفة آلان رينواز الحداثية Last Year at Marienbad (1961) — أو كما يَشار إليها أحياناً مارينباد — وبأعمال هونغ سانغ سوو، واحد من أعظم الأصوات السينمائية الكورية المعاصرة. وقالت كيم إن القليلين فقط يمكنهم أن يحددوا مدى تأثير هذه الأفلام على سلسلة «راقص التوصيل». «المهم هنا هو التعدُّد، وإمكانية فتح عوالم متعددة — كل إمكانية تختبئ في لقطة واحدة، في تسلسل واحد»، هكذا عبّرت.

وُلِدَت كيم عام 1979 في سيول، وتلقّت تدريباً أولياً كمصمّمة جرافيك، درست هذا التخصّص في جامعة كوكمن. في عُمر العشرينات، وخلال ما وصفتَه بـ«فترة شديدة الصعوبة في حياتي»، غادرت كوريا الى المملكة المتحدة وأعادت بناء مسارها المهني، فدرست التصوير الفوتوغرافي في كلية لندن للاتصالات. انغمست في نقاشات أكاديمية حول ما بعد الاستعمار، لكنها واجهت ما سمّته «مشكلة»: المملكة المتحدة قوة امبريالية، «ولكنها أيضاً تُهيمن على خطاب ما بعد الاستعمار»، كما قالت.

وبعد وعي متزايد بموقعها كامرأة آسيوية في الخارج، شرعت تُعيد قراءة أفلام الخيال العلمي الهوليوودية التي أحبتها، على رأسها Blade Runner (1982). لفتت إلى أن كثيراً من هذه الأعمال لا تمنح الكيانات الآسيوية فاعلية مستقلة؛ فتساءلت: «ما شكل الفاعلية الذي يحافظ علينا ويُفكّر في مستقبلنا؟»

في بداياتها أجابت عن هذا السؤال بالغوص عميقاً في الماضي. بعض أعمالها استلهمت من صُدف تاريخية لم تمسّها مباشرة؛ سلسلة «PH Express» (2011–2012) استخلصت مادتها من تاريخ ميناء هاملتون، مجموعة جزر في مضيق جيجو احتلّتها القوات البريطانية في القرن التاسع عشر. أعمال أخرى كانت أشد خصوصية؛ مجموعة تركيبات بعنوان «زيفيث، زيت الحيتان من حدائق المعلّقات إليك» (2014–2015) تتأمل صناعة النفط السعودية في الثمانينات، التي شارك فيها والد الفنانة كأحد المهاجرين الّذين التحقوا حينها بالقوى العاملة. لفتت مثل هذه الأجسام الفنية أنظار قيّمين أمثال أوكوي إنوِزور، الذي تضمّن عملاً من سلسلة «زيفيث» في بينالي البندقية 2015.

يقرأ  النقابة تحذّر من احتمال تجدد الإضرابات ضد سي سي إي بي في ألمانيا

لكن حوالي عام 2016، ومع مطالعَتِها للأدب التخييلي لدى أوكتافيا باتلر ودونا هارواي، انحرفت بوصلتها الفنية. «أدركت، يا إلهي، أنك لا تستطيعين البحث إلى هذا الحد! أنت لست مؤرخة، ولا تعيدين بناء التاريخ. دور الفنان ليس كتابة التاريخ مرة أخرى»، هكذا قالت.

Ayoung Kim, Delivery Dancer’s Sphere، 2022.
من أعمال الفنانة وبإذن من معرض هيونداي

منذ ذلك الحين اتسمت أعمال كيم بطابع استشرافي؛ ومن أحدث مشاريعها قطعة ستُعرض في متحف باورهاوس باراماتا في سيدني، تستحضر مولاً لامعاً بمزخرفات بَارُوكِية ونيوكلاسيكية يحتضن مسابقة «راقصة العام». (الفيلم في جوهره عمل أكشن، كما وعدت.) أطلعتني كيم على رسوم تخيلية للمول الذي تصوّرته، وبدا لي كهيكل من عام 2125 لا 2025، بأبراج شاهقة من الزجاج والمعدن تفوق المألوف.

قالت روْبا كاتريب، قيِّمة معرض كيم في PS1، إن الفنانة تبني عمداً استمرارية غير تقليدية بين الماضي والحاضر والمستقبل. «إنه زمن لَا خطّي»، شرحت، حيث «تعلقون في حلقة. شخصياتها تحاول الفرار من الدائرة، لكنها في الواقع لا تتمكن؛ وربما هي لا تريد الفرار».

وصفت كاتريب أعمال كيم بالرومانسية، كما فعلت آياس، قيِّمة عمولة Performa. العمل الأخير، المعنون Body^n، سيشمل أداءً حركياً مباشراً يؤدّيه مؤدون أمام جمهور؛ ساعدَت كيم تشا-آي — التي صممت الرقصة لسلسلة Squid Game على نتفليكس — في تخطيط بعض اللقطات. بواسطة تقنية التقاط الحركة، ستنتقل صورهم إلى مناظر رقمية عبر شاشات؛ ووصفت آياس حميمية الحركات حتى أنها سألت كيم: «هل نخمّد الأنوار هنا، ليتجلّى حبّهم؟»

اعترفت كيم بأن شخصيات سلسلة «راقص التوصيل» تقوم بلوحات من المغازلة والمواريات العاطفية. «قصص حبّهم لن تتحقّق أبداً في الكون بأسره»، قالت لي، «لأنهم يلتقون ويفترقون ويعاودون اللقاء مراراً وتكراراً، بينما تعيد العوالم ضبط نفسها وتُعيد السرد من جديد. هذا مصيرهم».

أضف تعليق