سجلات المزادات تصنع عناوين لافتة — كما حدث في بيع بورتريه إليزابيث ليدِرَر لغوستاف كليمت الذي بلغ 236.4 مليون دولار في دار سوذبيز — إذ ثمة متعة لا تخفى في رؤية الأرقام ترتفع إلى عنان السماوات. كل عملية بيع تذكّرنا بأن المال في سوق الفن قادر على تحوير الواقع. لكن ثمن لوحة لم يكن يوماً الجانب الأكثر إثارة فيها.
عند مراجعة قائمة أغلى الأعمال المباعة في المزاد العام، لا ترى فقط موكب مليارديرات يملكون ذوقاً باهظ التكلفة؛ بل تقرأ تاريخ أفكارٍ: ما كان يهمّ الفنانين، ما استحوذ على هواجس الجامعين، وكيف نُعيد تقييم الأعمال عبر عقود أو قرون لنقرر أي منها لا زال محافظاً على تأثيره وقوته.
نعم، بيعت لوحة “المخلّص للعالم” مقابل 450 مليون دولار، لكن هل هي حقاً لدا فنشي؟ لوحات بيكاسو ووارول كسرت أرقاماً قياسية، لكن قيمتها الحقيقية لا تختزل فيما كان مستعداً شخص لدفعه في ليلة مزاد. الفن الحقيقي — ذلك الذي يحرك الثقافة، يلصق بصمتة في الذاكرة، ويغيّر نظرتنا إلى العالم — يعيش في فضاء لا تبلغه النقود. القصة الحقيقية في العملل نفسه.
فينسنت فان غوخ — بستان مع أشجار السرو (1888)
بيع بمبلغ 117 مليون دولار في كريستيز نيويورك (نوفمبر 2022)
لوحة “بستان مع أشجار السرو” التي التقطت بريق بساتين الكرز حول منزله في آرل كانت أول لوحة تتخطى حاجز الـ100 مليون ضمن مزاد مجموعة بول ألين. العمل مثال لنمط فان غوخ بعد باريس: انسياج لطبقات الطلاء الغليظة (الامباستو)، ألوان حارة وحركة تعبيرية متوحشة. كان جزءاً من خمس قطع تجاوزت المئة مليون خلال نفس الليل، دلالة على نشاط سوق الأعمال الكبرى بعد ركود كوفيد.
إدفارد مونك — الصرخة (1895)
بيع بمبلغ 119.9 مليون دولار في سوذبيز نيويورك (مايو 2012)
نسخة الباستيل من “الصرخة” (إحدى أربع نسخ) أطلقت رقماً قياسياً حين بيعت في 2012، بعد مزايدة حامية استمرت دقائق. البائع كان بيتر أولسن، وابنلعلاقته بمانش، وقد ربط الأخير العمل بتدهور البيئة والتغير المناخي في تصريح بعد البيع.
رينيه ماغريت — إمبراطورية النور (1954)
بيع بمبلغ 121 مليون دولار في كريستيز نيويورك (نوفمبر 2024)
إحدى أفضل نسخ سلسلة “إمبراطورية النور” التي استعاد فيها ماغريت لعبة التناقض: شارع ليلي وسماء نهارية زرقاء غير ممكنة. اللوحة، من مجموعة ميكا إرتيغون، سجلت رقماً قياسياً لأعمال ماغريت بالمزاد.
بول سيزان — مون سان-فيكتوار (1888–90)
بيع بمبلغ 137.7 مليون دولار في كريستيز نيويورك (نوفمبر 2022)
مشهد غني للريف الفرنسي وجبل مون سان-فيكتوار الذي مهدت لوحاته الطريق لتفكيك الطبيعة إلى أشكال وظلال لونية، ما أثر لاحقاً على التكعيبية وبدايات التجريد.
بابلو بيكاسو — امرأة تحمل ساعة (1932)
بيع بمبلغ 139.3 مليون دولار في سوذبيز نيويورك (نوفمبر 2023)
لوحة من سلسلة صور ماري-تيريز والتر، سجّلت واحدة من أعلى أسعار بيكاسو بالمزاد. قطعة ذات برُوڤنانس نادر تغيّرت أيديها مرات قليلة منذ رسمها، ما رفع من قيمتها أمام جامعين على استعداد للمزايدة الكبيرة.
تشي بايشي — اثنا عشر لوحاً من مناظر طبيعية (1925)
بيع بمبلغ 140.8 مليون دولار في بولي إنترناشيونال، بكين (ديسمبر 2017)
مجموعة من الألواح الكبيرة تظهر مشاهد من رحلات الفنان عبر الصين، وقد كسرت رقماً قياسياً للفن الصيني في المزاد باشتعال مزايدة دامت أكثر من عشرين دقيقة قبل أن يفوز جامع صيني بالمجموعة.
ألبيرتو جياكوميتي — الرجل المشير (1947)
بيع بمبلغ 141.3 مليون دولار في كريستيز نيويورك (مايو 2015)
تمثال برونزي بنفس قياس الحياة تقريباً، من بين ست نسخ، أصبح أغلى تمثال في المزاد على الإطلاق حين بيع لصالح جامع بعد أن بقي في حيازة خاصة لسنوات طويلة. أربعة من النسخ توجد في متاحف كبرى، ما جعل هذه النسخة فرصة نادرة للقطاع الخاص.
فرانسيس بيكون — دراسات ثلاث للوكيان فرويد (1969)
بيع بمبلغ 142.4 مليون دولار في كريستيز نيويورك (نوفمبر 2013)
التريبتيك الذي يصور صديق بيكون ومنافسه الفني لوسيان فرويد بأوضاع مشوّهة كان له مسار تاريخي غير اعتيادي: تفرّقت لوحاته لسنوات قبل أن يجمعها جامع في 1989. بيع العمل جاء بعد حرب مزايدات قصيرة وأسهم في رقم قياسي ليلية لدار كريستيز.
جورج سورا — راقصات (النسخة الصغيرة) (1888)
بيع بمبلغ 149 مليون دولار في كريستيز نيويورك (نوفمبر 2022)
عمل نادر لنقطة سورا (البوينتيلية) يصور ثلاث عارضات عاريات، جاء من مجموعة بول ألين- وفتح مزايدة قوية حتى بلغ إجمالي الصفقة رقماً قياسياً لسورا.
أميديو موديغلياني — العارية المستلقية (على جانبها الأيسر) (1917)
بيع بمبلغ 157.2 مليون دولار في سوذبيز نيويورك (مايو 2018)
واحدة من سلسلة موديغلياني الشهيرة للعرايا المستلقية، اللوحة أثارت ضجة عند عرضها أواخر العقد الثاني من القرن العشرين، ثم عادت لتتصدر مزاداً كبيراً مع مزايدة هاتفية حاسمة.
أميديو موديغلياني — Nu couché (1917–18)
بيع بمبلغ 170.4 مليون دولار في كريستيز نيويورك (نوفمبر 2015)
نسخة أخرى من سلسلة العرايا المستلقية لِموديغلياني حطمت التوقعات وأصبحت من أكثر اللوحات مبيعاً في المزاد، ومنها أيضاً بارزت قوة السوق الصيني بعد فوز جامع صيني بها.
بابلو بيكاسو — نساء الجزائر (النسخة «O») (1955)
بيع بمبلغ 179.4 مليون دولار في كريستيز نيويورك (مايو 2015)
أعقبت سلسلة مستوحاة من ديلاغروكس، والنسخة «O» هي الأخيرة والأكثر تفصيلاً في السلسلة. تنافس عليها مزايدون عبر الهاتف ما جعلها رمزاً آخر لهيمنة بيكاسو في سوق المزادات المعاصرة.
آندي وارهول — شوت سيج بلو مارلين (1964)
بيع بمبلغ 195 مليون دولار في كريستيز نيويورك (مايو 2022)
بورترية بشرة مارلين مونرو من سلسلة “شوت مارلين” التي اشتهرت بعد حادثة إطلاق نار رمزية على مجموعة من اللوحات؛ اللوحة كانت نجم المزاد في 2022 وأثبتت أن فن القرن العشرين لا يزال يحقق أرقاماً قياسية.
جوستاف كليمت — بورتريه إليزابيث ليدرِر (1914–16)
بيع بمبلغ 236.4 مليون دولار في سوذبيز (نوفمبر 2025)
بورتريه كامل الطول، واحد من عملين فقط ذُكر اسمهما ضمن تكليفات كليمت الخاصة في القطاع الخاص، تصدر مزاد مجموعة ليونارد لاودر وفتحت مزايدة طويلة انتهت بهوية فائزة عبر الهاتف وبمبلغ مطلق دفع رقماً قياسياً لأعمال الفن الحديث في المزاد.
ليوناردو دا فينشي — سالفاتور موندي (حوالي 1500)
بيع بمبلغ 450.3 مليون دولار في كريستيز نيويورك (نوفمبر 2017)
بيعٌ تاريخي تلا مزايدة امتدت 19 دقيقة تقريباً، وكان مصحوباً بغطاء إعلامي وتسويق عالمي ذكي. العمل استحوذ على الاهتمام ليس فقط لسعره بل لسرديته المثيرة للجدل حول الأصول والعودة إلى سمعة دافنشي بعد ترميمات وإعادة تقييم. اعيد الكشف لاحقاً عن مشتريها كصاحب سلطة سياسية عالية، مع خطط لعرضها على الجمهور مستقبلاً.
ختاماً: مع كل رقم قياسي تتغاير قواعد اللعبة. الأرقام تصنع ضجيجاً وتفتح احتمالات جديدة في السوق — إذا بيعت لوحة بواجهة تاريخية بمئات الملايين، فما الذي يمنع لوحة أخرى من تجاوز ذلك؟ لكن القرصان الأهم يبقى أن الارتفاع المستمر للأسعار قد يباعد الانتباه عن جوهر الفن: العمل نفسه، قوته الجمالية، وأثره الثقافي. لا تسمحوا للحواشي السعرية أن تطغى على ما يجعل الفن جديراً بالذكر والإعجاب.