أنشودة الحورية السافوية — أليس أوستن

الشخصية الأنثوية التي تبرز من البحر، أو التي تغري الآخرين بالغوص فيه، هي صورة متأصلة في ميثولوجيات كثيرة عبر الثقافات. قد يعرف كثيرون نهاية ديزني الحالمة لـ«حورية البحر الصغيرة»، لكن في صيغة هانز كريستيان أندرسن الأصلية لا تنال الأمير؛ يتحلل جسدها في الماء وتلتحق روحها بعالم أرواح أنثوي بحت. وعلى مدى أسبق من حكايات أندرسن ظهرت كيانات مثل السلكي (selkies) — مخلوقات فاتنة تنزع جلودها الخَاتِمية لتعيش على اليابسة وتختلط أحيانًا بالبشر — أو الإلهة المصرية نو، التي تُجسّد المياه الأولية التي خرج منها كل الخلق وتملك سلطة إنهائه بفيضٍ مائي. هذه السرديات تجعل البحر مرتبطًا بقوة أنثوية ليست بالهزيلة.

معرض «She Sells Seashells» في دار أليس أوستن، بالرغم من أنه معرض مُنحاز للمشهد النسائي والليبيري، يتعامل ضمنيًا مع هذه الأساطير، ويتجلى ذلك بوضوح في عمل الفنّانة الفنلندية ناستيا سادي رونكو: Those Who Kept the Light (2022)، سلسلة من عشرة فيديوهات قصيرة تروي قصص نساء أبقَين المنارات مُنيرة حين عجز الرجال المكلفون عن ذلك أو امتنعوا عن القيام به. صورٌ قوية تأخذ المشاهد إلى حواف النرويج والدنمارك الوعرة، حيث تقف المنارات كأجسام صارخة على مناظر مُقتصَدة، وتُذكّرنا بالواقع الجذري للبحر، وبأسراره التي لا تزال تُبهر الإنسان، وبالصلة الطويلة بينه وبين قوة أنثوية لا تعرف التهاون.

أعمال كثيرة في المعرض، الذي نظّمته جيما رولز-بنتلي، تسلّط الضوء على الطابع التمثيلي للجسد والحرية المرافقة للتواجد قرب البحر — أجساد قليلة اللباس، خارج البنية المبنية، في راحة غير مُقيّدة. في رسمتها الكبيرة «By the Ocean’s Roar» (2022) باستخدام الأقلام الحبرية، تستدعي أنا بناروا بعضًا من المهابة التي يعيشها أصحاب الجسد غير المعياري، الجندريين والمثليين، في مكان مثل ركن مجتمع LGBTQ+ على شاطئ رِيس في نيويورك؛ تلك الفيمّات المتينة الجسد تستمتع بلحظات اللعب، أحيانًا عراة تمامًا، بلا حكم. تضيف صور ميريل ميسلر، لولا فلاش، وجوين إي. بيرن (JEB) نفس الإحساس: لقطات لنساء يتبادلن الراحة قرب الماء، يقبلن بعضهن، يقرأن، أو يلتقطن صورًا لبعضهن، سواء في السبعينيات أو في سنوات قريبة. تركيب الفيديو لرو روبرتسون «birthbuildshift» (2022)، المتحفّظ وسط زخارف الفيكتوريان الثقيلة في بيت أوستن، يستحضر «أصل العالم» على نحو مغاير لأعمال كوربيه؛ الأحشاء لا تُفضَح، بل تُغطى بالتناوب بقماش مبلل أو صخور، فتندمج المساحة الشهيرة بين ساقين مع عالم المحيط المحيط بها.

يقرأ  أنشودةٌ انطباعيةٌ للحسّ الرجوليّ

صور أليس أوستن، التي عاشت داخل جدران الدار التي أصبحت الآن متحفًا باسمه ومضت عقود فيها مع رفيقة حياتها جيرترود تيت، حاضرة كذلك. إلى جانب تمثيلاتها النسائية على الشاطئ، سرّني رؤية بعض أعمالها غير التمثيلية: قمر خافت يلمع من خلال ظلال شجرة على مشهد مائي واسع — عندَ النظر عن قُرب، يلمح الناظر شكلًا يشبه المقعد المحيط بالشجرة عند حافة ممتلكاتها في جزيرة ستاتن، يطل على ميناء نيويورك؛ منظرٌ مفاجئ ومنعش لواحدة من كبريات المدن التي رأت شواطئها معظم أيام حياتها. صورة أخرى بارزة من 1935 تُظهر صدفتين ضخمتين؛ قد تكونان صدفتين كما هما، أو تلميحًا جريئًا إلى امرأتين وأماكنهن الحميمة، أو، إن اتجهت خيالك إلى أساطير البحر المؤنثة، قد تتخيّلهما كيَانَي سَازاي-أوني اليابانيَين. لا أُفسد المتعة هنا — اكتشف الربط بنفسك.

إن عزمت على زيارة المعرض، خصّص بعض الوقت للتماشي على الشاطئ؛ أرض المتحف تمثل حديقة عامة تمتد ساعاتها إلى ما بعد ساعات المتحف. وإذا استقليت عابرة ستاتن إلى هناك، راقب من بعيد منارة روبنز ريف، حيث واصلت امرأة تُدعى كاثرين ووكر إدامة الضوء لأكثر من ثلاث عقود بعد وفاة زوجها، وأنقذت خمسين شخصًا من أمواجٍ رُفِعت على عتبة بيتها. أبقِ نظرك متّجهًا إلى الماء، فهو يحوي الكثير من الحكايات.

المعرض مستمر في متحف أليس أوستن (2 هايلان بوليفارد، شور أكرز، جزيرة ستاتن) حتى 21 شباط 2026، وأشرفت عليه القيّمة جيما رولز-بنتلي.

أضف تعليق