مشروع التوثيق الفوتوغرافي لإدارة الأمن الزراعي (1935–1944)
بين عامي 1935 و1944 أطلقت إدارة الأمن الزراعي حملة توثيقية فريدة من نوعها. كانت هذه الوكالة الحكومية جزءاً من «الصفقة الجديدة» لفرانكلين د. روزفلت، وقد ساندت عائلات ريفية خلال الكساد الكبير، ذاك الاضطراب الاقتصادي العالمي الذي امتد من 1929 إلى 1939، وتفاقم في أميركا الشمالية بجفاف «حوض الغبار» (Dust Bowl) الذي زادته ممارسات زراعية سيئة ورياح قوية؛ فاضطر كثير من المزارعين وعائلاتهم إلى الهجرة بعدما تلاشت سبل عيشهم عملياً.
كان لدى روي إي. سترايكر (Roy Stryker) —رئيس قسم المعلومات في الإدارة— البصيرة لتوظيف مجموعة من المصورين البارزين لتسجيل واقع المعيشة في الأرياف الأميركية. على مدى تسع سنوات استعانت الإدارة بمصوّرين مثل ووكر إيفانز، دوروثيا لانج، راسل لي، آرثر روثشتاين، بن شاهن، جاك ديلانو، ماريون بوست وولكوت، جوردون باركس، جون فاكون، وكارل ميدانس، وغيرهم من الأسماء اللامعة.
في مراحله الأولى ركّز المشروع على توثيق قروض نقدية مُمنوحة لمزارعين فرديين كدليل بصري على أثر المعونة، إلى جانب مبادرات تطوير ضواحي. ثم انطلقت مرحلة ثانية أكثر طموحاً أرسلت فيها فرقاً فوتوغرافية إلى الجنوب الريفي لتصوير حياة المستأجرين الزراعيين (sharecroppers) والعمال الموسميين في الغرب والوسط الغربي. ولاحقاً توسّع نطاق المشروع ليشمل توثيق الحياة الريفية والحضرية ووقائع الحرب العالمية الثانية.
من الصور الأقوى تأثيراً في تلك الحقبة صورة دوروثيا لانج لعام 1936 المعروفة باسم «أم المهاجرين» التي تصوّر عائلة فقراء يجمعون البازلاء في كاليفورنيا، بيد أن الصور التي اختار سترايكر نشرها من بين عشرات الآلاف من السلبية قدّمت رؤية ضيقة نسبياً للحياة آنذاك، عَرَضت الفترة بصورة تُركِّز على المعاناة البيضاء بشكل بارز.
يرى تامير ويليامز، الحاصل على دكتوراه والذي يعمل مرافِقاً استعراضياً لمؤسسة آرت بريدجز (Art Bridges Foundation)، أن هذا الإغفال يفتح نافذة لإظهار «الكيفية التي صنع بها الأميركيون السود في الجنوب مساحات للمرونة والملاذ والهوية وسط فقر اقتصادي واسع وظلم منهجي». تعيد صور بالأبيض والأسود، مذهلة في وضوحها وصدقها، نقلنا إلى زمن يصعب تصوره لولا هذا السجل الاستثنائي للحياة اليومية عبر عدسات روثشتاين وإيفانز وراسِل لي وغيرهم.
في تعاون بين مؤسسة آرت بريدجز ومتحف الفن والضوء (Museum of Art + Light) أقيم معرض جديد بعنوان «صياغة الملاذات: مساحات السود في جنوب الكساد العظيم»، يضم أكثر من ثلاثين صورة نادرة من أرشيف إدارة الأمن الزراعي تُبرز المساحات السوداء خلال الكساد. تُظهر صور المنازل والكنائس والمدارس وحلاقِيّات الرجال كيف تحولت الأماكن الداخلية وأماكن التجمع العامة إلى «لوحات للمصير الذاتي والحفاظ الثقافي».
تركز الصور على الجنوب الأميركي، وبخاصة على حياة المستأجرين المزارعين الذين كانوا يعملون أراضٍ يملكها آخرون ويدفعون بدل الإيجار على شكل محصول بدلاً من نقود، وهو نمط غرق الكثيرين في حلقة من الديون بفعل أسعار فائدة مرتفعة وشروط تعاقدية جائرة جعلت من الصعب الخروج من الأزمة بل حتى الكفاف. وبقي كثير من هؤلاء أسرى لنظام استمر في إطالة مظاهر من الاستغلال شبيهة بالعبودية.
من شرفة في دلتا ميسيسيبي إلى حلاقة في أتلانتا ومن مواقد بيوت المستأجرين في المزارع، وثق مصورون تابعون لوكالة الأمن الزراعي مشاهد يومية حميمة وصادقة تكشف ظروف معيشة وعمل العمال السود في الثلاثينيات وبدايات الأربعينيات.
تحمل العناوين الوصفية القديمة مصطلحات أصبحت بالية اليوم، لكنها تمنح لمحات عن مواقع محددة مثل Gees Bend وأتلانتا وأماكن أخرى في الجنوب العميق. وظل الأميركيون السود، متأثرين بممارسات حقبة جيم كرو، يقصدون كنائس وحلاقِيّات وأعمالاً مفصولة عن البيضاء؛ ويجسّد معرض «صياغة الملاذات» هذه الأماكن التاريخية التي غُيِّبت عن السرد السائد.
من بين الصور المعروضة عناوين وتصويرات لمشاهد مثل: «مَزرعة نولتون — دلتا ميسيسيبي» لماريون بوست وولكوت، و«نقاشون يتحدثون على شرفة متجر صغير قرب جِينَرِيت، لويزيانا» لراسل لي، و«مشهد في ناتشيز، ميسيسيبي» لبن شاهن، و«حلاقة للسود في أتلانتا» لووكر إيفانز، و«دائرة العبادة في كنيسة للسود في مقاطعة هيرد، جورجيا» لجاك ديلانو، وغيرها من اللقطات التي توثق حياتهم اليومية.
يقول ويليامز: «لم تكن هذه المساحات ملاجئ فحسب — بل كانت قداسات. إنها شهادات على كيف أن جنوبييّ البشرة السوداء صنعوا أماكن للملاذ والاعتراف والمصير الذاتي حتى في أقسى الظروف. يسعى هذا المعرض إلى تغيير تصورنا للكساد الكبير باعتباره مأساة ذات طابع أبيض إلى رؤية أوسع تُظهر أنه أثر على الجميع عبر أميركا».
المعرض مفتوح في متحف الفن والضوء فيمانهاتن بولاية كانساس حتى 9 مارس 2026، مع احتمال أن يجول لاحقاً. يمكن الاطلاع على مزيد من المواد في أرشيف مكتبة الكونغرس الذي يضم أكثر من 170 ألف صورة من صور إدارة الأمن الزراعي، أو استكشاف ما يُعرف بـ«النيجاتيفات المثقوبة» التي تروي قصصاً إضافية من تلك الحقبة.