إعادة هيكلة جذرية في «نيو سكول» للخوض في عجز يقدّر بعشرات الملايين
أرسلت إدارة كلية نيو سكول للبحوث الاجتماعية عرضَ برامج انفصال طوعية لعدد كبير من أعضاء الهيئة التدريسية والموظفين كجزء من خطة «إعادة هيكلة» تهدف لمعالجة عجز مالي يبلغ نحو 48 مليون دولار. رسالةٌ إلكترونية مؤرخة في 3 ديسمبر عرضت شروط الصفقة على 169 من الموظفين وأعضاء الهيئة، بينهم نحو أربعون في المئة من أعضاء الهيئة التدريسية بدوام كامل، وحدّدت مهلةً للردّ في 15 ديسمبر.
بحسب رابطة الأساتذة الجامعيين الأمريكية، حذّرت الإدارة من أن عمليات تسريح ستلحق بالموظفين في حال لم يخترع عدد كافٍ منهم الانضمام إلى برامج الفصل الطوعي. ووصف فرع الرابطة هذا الإجراء، في تصريحات لوسائل إعلام، بأنه «أكبر محاولة فصل جماعي لأعضاء هيئة تدريسية تشهدها البلاد حالياً».
خلفية مالية وسياسية
تواجه المؤسسة تراجعاً في أعداد الطلبة الملتحقين بها، وفي الوقت ذاته تعرّضت لتهديد من إدارة ترامب بعد أن حذّرت وزارة التعليم، في مارس، ستين جامعة من احتمال فتح تحقيقات إذا لم تضمن حماية الطلاب اليهود عقب تنظيم طلاب اعتصاماً مؤيداً للقضية الفلسطينية وتضامن عدد من الأساتذة بإقامة خيم. هذا السياق السياسي زاد من حدة الضغوط التي تمر بها الكلية.
هيكل أكاديمي جديد
أعلن رئيس الجامعة جويل تاورز أن خطة إعادة الهيكلة تتضمن دمج عدة مدارس ضمن بنية مؤلفة من كليتين: الأولى تضم كلية يوجين لانغ للفنون الحرة و«نيو سكول» للبحوث الاجتماعية كوحدة واحدة، والثانية تضم مدرسة بارسون للتصميم وكلية الفنون الأدائية والإعلام كوحدة أخرى. (ملاحظة: اسم «بارسون» يظهر أحياناً بمختلف اللفظات عند الترجمة.)
تاريخ ومكانة مؤسسية
تأسست المدرسة عام 1919 على يد، كما تصفها الصحافة، «مثقفين معارضين»، ولاحقاً أصبحت ملاذاً لدفعات من المفكرين الفارين من ألمانيا النازية. وفق موقعها الرسمي، تضم المؤسسة حالياً نحو 75 عضواً هيئة تدريسية بدوام كامل موزعين على عشرة أقسام وبرامج متعددة تشمل الأنثروبولوجيا، الكتابة الإبداعية، الفلسفة، علم النفس، وعلم الاجتماع، وتمنح درجات الماجستير والدكتوراه لحوالى 800 طالب دراسات عليا من نحو 70 دولة. تُركّز الفنون بشكلٍ خاص في مدرسة بارسون للتصميم.
خُريجون بارزون
تفخر المدرسة بسجل طويل من الخريجين المرموقين في الفنون البصرية والأدب والأزياء، من أمثال نينا شانيل أبني، ريتشارد أفيدون، إدوارد هوبر، جاسبر جونز، نورمان روكويل، وآي ويوي؛ وبرز منها أيضاً مصممو أزياء معروفون مثل توم فورد، مارك جاكوبس، دونا كاران، وغيرهم، وكتّاب مثل جيمس بالدوين وجاك كيروآك وتينيسي ويليامز.
تقليص برامجي وإجراءات مالية قاسية
تفيد رابطة الأساتذة أن الكلية تعتزم إلغاء أكثر من ثلاثين برنامجاً، الغالبية منها في مجالات العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية. وأقرّ مجلس هيئة التدريس، في 25 نوفمبر 2025، قراراً يعرب عن بالغ القلق إزاء تجاوز الرئيس ومناقبه لمبادئ الحكم المشترك في اتخاذ هذه القرارات. ونقلت تقارير محلية أن إدارة الجامعة ستطبق خفضاً متدرجاً على رواتب الأعلى أجراً، وستعلّق مساهمات التقاعد لمدة ثمانية عشر شهراً، كما ستوقف تقريباً قبول الطلبة في برامج الدكتوراه لعام 2026–27، مع الإشارة إلى أن الكلية شهدت عجزاً يتجاوز 30 مليون دولار لثلاث سنوات متتالية.
النقاش الداخلي والاحتجاجات
وصف أستاذ الاقتصاد سانجاي ريديَّ التخفيضات بأنها سياسة «الأرض المحروقة» التي قد تدفع بالمؤسسة إلى «حلقة موت» تمثل انحداراً لا رجعة عنه. تظاهرت عشرات من الطالبات والطلاب وأعضاء الهيئة والموظفين أمام حرم غرينويتش فيليج تحت مطر بارد احتجاجاً على إجراءات الإدارة أثناء انعقاد اجتماع المجلس، مطالبين بإلغاء جميع اتفاقيات الحزم الطوعية، وفرض سقفٍ للرواتب بقيمة 200,000 دولار، وفتح اجتماع علني بين مجلس الإدارة وكامل المجتمع الجامعي. ووجّه المتظاهرون انتقادات لاذعة لتاورز والمستشار الأكاديمي ريتشارد كيسلر.
في حديثٍ إلى وكالة أنباء فنية، قالت مولّي راغان، محاضرة بدوام جزئي في بارسونز، إن أسلوب إدارة الأزمة «يبدو شديداً ومؤسسياً»، مشيرة إلى أن بعض التنفيذيين في الإدارة أتوا من خلفيات اندماجات واستحواذات وهيكليات شركات، وأن المدرسة حتى سنوات قليلة مضت كانت تعمل بفائض طفيف. وأضافت أن تحقيقاً داخلياً لهيئة التدريس كشف عن استثمارات عقارية كبيرة وعن أسماء أعضاء هيئة تركوا العمل منذ زمن ما زالت مرتبطة بالرواتب. ويُذكر أن تاورز، الذي عُيّن في 2024، هو القائد الثالث للمؤسسة منذ 2020.
ملاحظات حول الرواتب والإنفاق الإداري
أشار اتحاد الهيئة التدريسية بدوام جزئي في منشورٍ على إنستغرام إلى أن بين 2022 و2023 شهدت رواتب عدد من المسؤولين رفيعي المستوى زيادات كبيرة: جويل تاورز (حين كان على رأس الهيئة) ارتفعت رواتبه بنحو 11.6% إلى ما يقارب 417,000 دولار، وعميد تنفيذي مثل ريتشارد كيسلر بنحو 11.7% إلى 469,000 دولار، والمستشارة الأكاديمية ريني وايت بنحو 10.9% إلى أكثر من 712,000 دولار. ويقول الاتحاد إن عجز نيـو سكول البالغ 30.3 مليون دولار كان من الممكن أن يتحول إلى فائضٍ يقدّر بسبعة ملايين دولار لو أن الإنفاق على المصاريف الإدارية والخدمات المهنية والمرافق نما بوتيرة مماثلة للنمو في الإيرادات. (هنا لفتة إلى تفاصيل الإنفاق والسياسات المالية التي بلغت بها الأمور إلى هذا المأزق.)
في المجمل، تفتح الأزمة في نيو سكول نقاشاً عميقاً حول أولويات المؤسسة التعليمية، آليات الحوكمة المشتركة، والتوازن بين الضرورات المالية والحفاظ على الرسالة الأكاديمية والإنسانية التي بنت عليها المدرسة سمعتها عبر أكثر من قرن.