في معرض “بلو أسيد” عرضتُ تماثيل وسائطٍ مختلطة جديدة تجمع بين عناصر ثلاثية الأبعاد ومساحاتٍ مصوّرة ثنائية الأبعاد تُشبه في شكلها لوحات إعلانية، لكنّها منسوجة داخل العمل بطريقة مبتكرة. كيف أتعامل مع مثل هذا المشروع؟ أبدأ دائماً من الفضول والتجريب: أبحث عن توازن بين الحضور المساحي للقطع الثلاثية والسطح التصويري للوحة، وأتصرف كما لو أنني أؤلف حواراً بصرياً بين طائرة رسمٍ مسطّحة وحجمٍ يطفو أمامها أو يندمج فيها.
أحد أجمل ما في صناعة الفن هو الاكتشاف العفوي لِفكرة تبدو وكأنها ولدت من الفراغ. بعد مضي الوقت تبدو تلك الفكرة منطقية، لكن في لحظتها هي وحي مفاجئ يدفعني لاستكشافه بشغف. يقع مرسحي مقابل ورشة نجارة إبداعية، لديهم صندوق يوضع فيه حطب قصاص لمن يريد؛ لا أستطيع مقاومة ذلك الصندوق. عثرت على قطع خشبية ذات أوجه متعددة وشكل غريب، فسألتُ نفسي إن أمكن الطلاء عليها؛ ثم أدركت أن ثيمات مختلفة يمكن أن تتعايش اعتماداً على الجانب الذي تختاره، فبدأتُ بإضافة عناصر نحتية وكلمات وقد فُتح أمامي أفقٌ جديد للعمل.
هل كانت النحت جزءاً من عملي دائماً؟ مثل معظم الفنانين، دفعتنا رغبةٌ داخلية في الصنع. كمرة كشّاف صغير كنت نصنع ديورما لمشروعاتنا، صنعتُ مستنقعاً به ضفادع وسلاحف وكان يبدو حقيقياً لدرجة أني كنت بالكاد أنام لأن خيالي كان يواصل البناء— وحتى اليوم للنحت ذلك الأثر عليّ؛ أتحكم فيه أجعلَه تكملة للرسم الذي أمضي فيه عمري أحاول إتقانَه، لكن النحت دائماً يهمس لي.
هل أثّرت هذه التماثيل الجديدة على نهجي في الرسم الزيتي والأكريليك؟ بالتأكيد. من السهل جداً الوقوع في روتين وتكرار الأساليب الناجحة، وأجد أن زعزعة العملية ضرورية لتجدد العمل. ومع اقتراب موعد معرضي الفردي الكبير “بلو أسيد” شعرت بضرورة إدخال عناصر نحتية رغم أن زوجتي اعتبرتها مخاطرة إدارية، لكن الضغط غالباً ما يفتح أبواب الإبداع: تتلوّن الأفكار في الأحلام وأستيقظ بحلول جديدة، تلك الحماسة تخلق طاقة تجعل لوحاتي أفضل.
رغم كثرة التفاصيل الواقعية في أعمالي، فإنّ “يد الفنان” تبقى ظاهرة في ضربات الفرشاة؛ لذلك تحمل كثير من لوحاتي انطباعاً طفيفاً ضبابيّاً أو وكأنها في حركة — كأنها لقطة مجمدة من فيلم. لم أكن يوماً من عشّاق الواقعية المفرطة لأنها تُقصي المتلقي عن مشاركته الخيالي؛ قد تشير بضعة ضربات فرشاة إلى طوب بدل أن أُعيد رسم كلّ لبنة، والضبابية تساعد هنا. هناك أيضاً مفهوم مكان للراحة في اللوحة؛ مساحة يتوقف عندها النظر قليلاً قبل أن يكمل رحلته داخل العمل — فكر فقط كم سيطول طول الأفلام لو لم يعمل خيالنا في ملء الفجوات.
في النهاية، تمزج التماثيل الجديدة بين الشكل والسطح لتخلق حالة تتيح للمشاهد التخيل والمشاركة. تلك العلاقة المتبادلة بين النحت والرسم جعلتني أُعيد النظر في طرق التركيب والتلوين والإيقاع داخل كل لوحة، وفتحت لي إمكانيات سردية ومرئية جديدة أواصل استكشافها.