الروعة الساحرة في نسج شعب واباناكي

غرينتش، كونيتيكت — جيريمي فراي ينسج شرائح خشبية رفيعة إلى أنماط وبتركيبات لونية تخطف الأنفاس بدقة متناهية. في كل وعاء لا تشوبه شائبة، تتقاطع تقاليد صناعة السلال لدى شعب واباناكي مع رؤية الفنان الباساماكودي الخاصة، فتتحول أخشاب الرماد وحنك العشب وموادٍ أخرى محمولة من الطبيعة إلى مشاهد كليدو سكوبيّة من الأشكال الهندسية والعمل اللوني. حسّه الحرفي الحاد وميله الدائم لتحدي الحدود دفعا بأعماله إلى واجهة المشهد الوطني، فحصد جوائز رفيعة في أسواق الفنون الهندية، وقدم أول معرض منفرد صالة في 2023، ونال الاعتراف المتزايد هو ومجتمع صانعي السلال الواباناكيين زملاءه.

«جيريمي فراي: محاك» يمثل أول معرض له في متحف — وهو أيضاً العرض الأول لسلال واباناكي في متحف فني راقٍ. المعرض، الذي يضم نحو خمسين سلة، افتتح أولاً في متحف بورتلاند للفنون في مين بشهر مايو 2024، ثم ارتحل إلى معهد الآلات في شيكاغو، والآن، وفي محطته الثالثة والأخيرة، يعرض في متحف بروس في غرينتش، كونيتيكت وحتى أوائل سبتمبر. مرافقة للعرض توجد كاتالوج مصوّر وفاخر، هو أول كتاب يكرّس فنياً لهذا الفنان.

ولد فراي عام 1978 في محمية باساماكودي في ولاية مين، وهو صانع سلال من الجيل السابع. تعلّم الصناعة على يد والدته فرانسِس «غال» فراي ومن خلال تدريبات ومقاطع تدريبية نظمتها جمعية صانعي السلال الهنود في مين، وتلّمس نفسه أكثر نحو ما يُعرف بـ«السلال الفاخرة» المزخرفة المخصصة غالباً للسوق المنزلي.

معرفة صناعة السلال سُلمت عبر أجيال من النسّاجين الواباناكي على مدى آلاف السنين. تبدأ الرحلة في الغابة، بشجرة رماد سوداء تُعرف أيضاً باسم شجرة السلال؛ نوع متغلغل في ثقافة الشعب، بل في أساطير الخلق حيث تقول القصص إن الشعب جاء من لحائها. لا يبدأ النَسج إلا بعد عملية شاقة: قطع شجرة مناسبة، نزع اللحاء، دقّ الجذع لتفكيك الشرائح من حلقات النمو، ثم تقطيب الشرائح إلى أعرض موحدة (ما يُسمّى «القياس»)، وصبغها، وتحضير هيكل السلة. في المعرض يعرض الفيلم السينمائي «آش» (2023) — فيلم غير حكائي مدته 11 دقيقة — هذه العملية، حيث يظهر فراي وهو ينسج بأيدٍ رشيقة تتردّد فيها حركات أتقنها أسلافه عبر الألفيات، مرفقة بطبقاتٍ غنّاء من أصوات الطبيعة.

يقرأ  فيلا رومانية أثرية في صقلية تكشف فسيفساء على هيئة شبّاشب

يبرز المعرض لغة سلال واباناكي البصرية وإضافات فراي السبّاقة إلى معجمها، فيعرض استرجاعاً لسيرة فنية متوسطة المدى تغطي أول عقدين له كمنحوت. منظم تقريبيّاً بحسب التسلسل الزمني، يبدأ بالأعمال الأولى (2003–2012)، ويرصد كيف يبني فراي على تقنيات تقليدية، من بينها qinusqikon (نسج الإبر أو نسج النقاط) الذي تتسمه نتوءات مثلثية شائكة، وapsoshokunwe (النسج الدقيق) حيث تُقاس الخيوط إلى شرائح فائقة الرقة.

تتراوح منحوتات السلال عنده في الشكل والحجم بين أجسام قصيرة ومدببة مستوحاة من قنافذ البحر — مصدر غذاء تقليدي — يمكنك احتضانها بكفّيك، وصولاً إلى مزهريات أنيقة وطويلة بنَسجٍ دقيق لا تَكفي ذراعاك للإحاطة ببعضها كما في «الروح الحارسة» (2022)، عمل معقّد تكلف ستة أشهر من العمل المركز لإنجازه لصالح متحف دنفر للفنون. تكلّل بعض الأوعية أغطية مزدانة بعملٍ من إبر القنافذ، جمعت من حيوانات صادفها على قارعة الطريق؛ وقد تضطر إلى الوقوف على أطراف أصابعك وإطالة رقبتك لتلمح تفاصيل الحيوانات بحكم ارتفاع حاويات العرض. تكلّل «سلة القمة المنحازة» حواف متدرجة، وأعمال مزدوجة الجدار تخفي أسراراً — ففي الخارج تبدو قطعة «الإبحار عبر التقليد» (2023) محايدة وبدون صبغة، لكنها تكشف من الداخل عن لوحةٍ مقطّعة بألوان حيوية من البنفسجي والأحمر، مُلخّصةً التوتر الدائم بين التمسك بالتقليد والرغبة في الابتكار.

تقسمات من المعرض تُبرز أعمالاً تخرج عن صيغة المزهرية والوعاء لكنها تظل تتحدّث بلغة السلال؛ سلسلة من مطبوعات بارزة وبارزة الحافة لسنة 2022 صُنعت بتلوين نقوش رمادية مسطّحة من خشب الرماد ومن ثم تمريرها عبر آلة الطباعة، تحمل طابعا خشبياً يشبه الصلبان والشمس ونجوم الانفجار. قطعة وحيدة من فن الجداري المنسوج بعنوان «Caesura» (2023) تنكمش في جدار المتحف كما لو كانت منحوتة مقعّرة؛ إن نظرت إليها قد تشعر بأنك تطلّ إلى وعاءٍ سترتطم بداخله أو باب عبور إلى زمن آخر.

يقرأ  أعمال فنية ومقتنيات تاريخية من مجتمع الميم— معروضة في مزاد صالات سوان

إحساسٌ متراكم بالزمن يخترق «محاك»: تقدير للتقليد القديم يتداخل مع سعي للأصالة، كل ذلك مشحون بإحساس بالعجلة نحو المستقبل. أشجار الرماد السوداء مهددة بشدة بسبب التغير المناخي وحشرات غريبة وغزاة مثل خنفساء الرماد الزمردية التي تدمر هذه الأشجار في أرجاء أمريكا الشمالية. «مع ذروة ما أُنجزه كفنان»، قال فراي في مقابلة عام 2024، «سأفقد المادة نفسها لأستمر في العمل». في الوقت الحاضر يجمع فراي مزيداً من خشب الرماد ليحتفظ به لقطعٍ مستقبلية.

يختتم المعرض بفيلمه الفني «آش»، وفي المشهد الختامي يضع فراي سلة رماد مكتملة على قاعدة في حجرة بيضاء؛ ينساب الدخان فجأة عبر الشقوق وتلتهم النيران الوعاء فتتحول شجرة الرماد إلى رماد حرفياً.

حياة وموت؛ قديم ومعاصر؛ تقليد وغير متوقع — قوى متقابلة تشحن «محاك» بتوتر كهربائي. من جذور السلال في غابات ثقافة واباناكي إلى تردّداتها الجديدة في قاعات المتاحف، يقدم المعرض براعة فراي الحرفية كفن معاصر لا بد من رؤيته.

يستمر معرض «جيريمي فراي: محاك» في متحف بروس (1 شارع المتحف، غرينتش، كونيتيكت) حتى 7 سبتمبر. المعرض منسق من رامي ميز وجيمي دي سيمون، وخدمت تيريزا سيكورد كمستشارة ثقافية، والتنظيم الحالي في متحف بروس أنجزته مارجريتا كاراسولاس.

أضف تعليق