الفنانات اللائي اكتشفن حريتهن في الشيخوخة

في عام 1982، أقام متحف الفن الحديث أول معرض استعراضي كبير مُكرَّس لأعمال لويز بورجوا، وكانت حينها في السبعين من عمرها. كان المعرض متأخِّرًا لكنه رُئيَ كفرصة لتثبيت إرث فني امتد لأكثر من نصف قرن؛ غير أن بورجوا ستعيش بعد ذلك ثمانٍ وعشرين سنة إضافية، وستواصل صنع الفن الى آخر يوم من حياتها، وكانت أعمالُها في تلك المرحلة الأخيرة من بين الأكثر جرأةً وابتكارًا في مسيرتها.

تكتب سوزان غوبار في كتابها الجديد المتقن الختاميات الكبرى: طول الحياة الإبداعية للفنانات، «لم يكن في الحسبان أن ثمة حاجة لمعرفة نقدية جديدة في 2017 — للاعتراف بالاختراقات الجمالية التي أتى بها الشيخوخة.»

تطرح غوبار، الباحثة النسوية والناقدة الأدبية، حجة مفادها أن الفنانات كثيرًا ما يجدن حرية هائلة في سنوات العمر المتأخرة، محرَّرات أخيرًا من أعباء البيت والجسد المبتَدع كشيء جنسيًّا تملكه نظرات الآخرين ومن سلطة الرجال. يقدِّم الكتاب ملفاتٍ تسرد إعادة اختراع ذاتي لدى تسع مبدعات — من بينهن بورجوا وجورجيا أوكيف — لتأسيس سلسلة من الأجيال التي صاغت رؤى فنية جديدة في ريعان الخاتمة.

غوبار، التي تبلغ من العمر ثمانين عامًا، لا تَسقُطُ في فخّ التمجيد الأعمى؛ فهي تعي جيدًا أن الشيخوخة تجلب معها رصيدًا من الخسارات، من القوة والحركة إلى رحيل الأحبة. ومع ذلك، تستمد مصدَرَها من ديناميكية وقدرة مواضيع كتابها على التكيُّف، فالكثير منهن أنتجن أعمالًا طموحة وأصيلة في أعقاب اقترابهن من النهاية. قد يبدو بعض التحليل في الكتاب تقنيًا ومشحونًا بأسلوب أكاديمي جادّ، وربما يصعب على من يبحث عن جرعة إلهام بسيطة أن يخوض غمار هذه الفصول، لكن لذوي الشغف بالنقد الأدبي والفني تكشف تلك الصفحات عن ثراء فكري معتبر.

يقرأ  مجلة جوكستابوز — ليديا بيتيت: «إي.إم.دي.آر» في غاليري جودين، برلين

تقسم غوبار موضوعات كتابها إلى مجموعات موضوعية: «العاشقات» (كأوكيف والكاتبات جورج إليوت وكوليت) اللواتي استمددن طاقة جديدة من علاقات مع رجال أصغر سنًا؛ «المنحرفات» (بورجوا، وإيساك دينيسن، والشاعرة ماريان مور) اللاتي استخدمن حساسية لافتة لكسر الصور النمطية عن امرأة عجوز؛ و«الحكيمات» (عازفة البيانو والملحنة ماري لو ويليامز، الشاعرة جويندولين بروكس، والراقصة-مصمِّمة الرقصات كاثرين دونهام) اللواتي جددتهن قضايا العدالة الاجتماعية في سن متأخرة. على امتداد الصفحات تستدعي الكاتبة أسماءً عدة لفنانات أُخريات أعادْن تشكيل فكرة الشيخوخة وفق رؤاهِن الخاصة.

تتعامل غوبار مع شخصيات الكتاب برؤية متوازنة: فمثلاً أوكيف تظهر كشخصية مركبة ومثيرة للغضب أحيانًا، لكن ذلك لا يقلِّل من عظمة فصلها الأخير، حينما هجرت نيويورك الى نيو مكسيكو وابتعدت عن ظل زوجها المصوِّر الشهير ألفرد ستيغلِتز، لتنتج أعمالها الأكثر أيقونية.

من أبرز ما توصلت إليه غوبار أن قيود العمر يمكن أن تتحوّل إلى محرِّكات لاستكشاف وسائل فنية جديدة. تمثل تجربة بورجوا مثالًا صارخًا: تماثيلها في مرحلة الشيخوخة بلغت أحجامًا هائلة ثم، قرب النهاية، انكمشت لتأخذ أحجامًا صغيرة يمكن تشكيلها على طاولة حتى وهي جالسة في كرسي متحرِّك. وبالمثل، وجدت أوكيف أن الألوان المائية والباستيل والرصاص كان أسهل استخدامًا من الزيت بعدما فقدت بصرها المركزي في الرابعة والثمانين.

الختاميات الكبرى عمل صارم ومثير فكرًا يصوِّر الفنانة في زمن الشيخوخة؛ وبعض السير الذاتية فيه أكثر قوة وجاذبية من غيرها. تستخلص غوبار أن الإبداع عضلة تُستخدم أو تُفقد، وأن ممارسته تمنح فوائد هائلة مع تقدم السنّ. لقد منحَت المشاريع الفنية موضوعات الكتاب هدفًا وملهًى وعزاءً أثناء تنقّلهن بين الضعف والحزن. رفضت هؤلاء الفنّانات أن يُحتَجزن في عالم «السيدة العجوز الصغيرة»، وبالعكس اخترن الاستمرار في البحث والدفع والمحاولة، متقاسمات جرأةً تصرخ بأنها دافع لمواصلة تحقيق الذات وإمكاناتها.

يقرأ  ١٥ معرضًا فنيًا تستحق الزيارة في لوس أنجلوس هذا الخريف

الختاميات الكبرى: طول الحياة الإبداعية للفنانات، سوزان غوبار (2025). صدر الكتاب عن دار W. W. Norton & Company ومتاح على الإنترنت وفي المكتبات.

أضف تعليق