الفنان الأمريكي من أصولٍ أفريقية الذي اكتشف ذاته في فنلندا

هوارد سميث، الذي توفي عام 2021 عن 92 عاماً، كان فناناً ومصمماً ومدرِّساً أميركياً من أصل أفريقي، مولوداً في نيوجيرسي ومتعلماً في أكادمية فيلادلفيا للفنون الجميلة. في عام 1962 دُعي للمشاركة في مهرجان ثقافي في هلسنكي بعنوان Young America Presents، مهرجان رُعِيَ علناً من قبل الولايات المتحدة ولكنه كان يتلقى تمويلاً سرياً من وكالة الاستخبارات المركزية. شعر سميث بالتهميش داخل عالم الفن الأبيض السائد وبالغربة أيضاً داخل المشهد الفني الأسود في الولايات المتحدة، فوجد جمهوره وملاذه في فنلندا التي تلت حقبة الحرب الباردة، حيث كان من القلائل من بين الفنانين السود هناك. خلال خمسين عاماً أنتج سميث طيفاً واسعاً من اللوحات والمنحوتات والمنسوجات والسيراميك وتجميعات الوسائط المختلطة.

حصل سميث على جائزة الدولة الفنلندية للتصميم عام 2001، وفي 2003 مُنح معاش الفنان من الدولة الفنلندية اعترافاً بمكانته ككنز وطني. ومع ذلك ظل، على نحو ملفت، مجهولاً إلى حد كبير داخل بلاده الأصلية. معرض “فن وتصميم هوارد سميث” في متحف بالم سبرينكز للفنون هو الاستعاداتي الأول لأعماله في الولايات المتحدة، ويمنح فرصة لإعادة تقييم إرثه لدى جمهور أميركي واسع.

المعرض يزيد فتنة لأنه يطمس الحدود بين الفن والتصميم والديكور. ثمة توتر جذاب بين أعماله الحدّية بالأبيض والأسود والأقمشة الزهرية الضخمة شبه المعلّقة على الجدار وبعض القطع الأصغر لكنها ذات كتل بصرية تذكّرنا بفناني موجة الحقل اللوني الثانية مثل موريس لويس وكينيث نولاند وهيلين فرانكنثالر. توالي الأعمال يمنح انطباعاً غريباً يجمع بين روح جوان ميرو، وأدولف غوتليب، وروبرت ماذرويل، وويليام بازيوتس.

أسطح سميث أقل حماسة من حيث الطرح التقني لدى البعض، لكنها أشد مرحاً وإيحاءً. تلك الروح اللعبية — إلى جانب مهارته — هي التي مكّنته من ابتكار منسوجات ضخمة تتجاوز وظيفة التصميم فتلعب في حقل “الفن”. بعض الأعمال تقف عند مفترق التصميم والسياسة، مثل «بدون عنوان» (1985)، حيث تتحول الأنماط الغرافيكية الكبيرة والأشكال التعبيرية المرتبطة بالتصميم الفنلندي إلى تفاصيل وجوه متعرجة؛ الرقاب الطويلة والرؤوس الممدّدة تستحضر تقاليد النحت الإفريقي مثل أقنعة دان أو رؤوس فانغ الطينية. تمثيله للسودوية داخل عالم فني إسكندنافي أبيض الطغيان هو مثال قوي على الاشتباك والمقاومة في آن واحد.

يقرأ  اكتشافُ قبرِ محاربٍ ثراكيٍّ يَضُمُّ حِصانًا في بلغاريا

في العمل المختلط “أمريكا؟” يبرز رأس مظلل بالملف الشخصي على خلفية مبيضة، وفوقه وعلى يسار أنفه قصاصات صحفية يظهر منها عبارتان مقروءتان تماماً: “الرقم 1″ و”مزاج الكرملين”. وعلى ظهر اللوحة نقش يضع العمل في سياق أعماله المنجزة أثناء أو بعد أحداث شغب مونتغومري، في إشارة محتملة إلى مسيرة سيلما إلى مونتغومري عام 1965 أو إلى اعتداءات على ركاب الحرية عام 1961. ربما قصد سميث بهذا عملاً يصوغ تناقضات أميركا، لكنه هنا يفشل إلى حد ما: العنوان حادّ جداً، والشكل غير محدد بما يكفي، والنص سواء كان مباشراً أو غامضاً فهما معا يشتّتان الرسالة.

أكثر نجاحاً من ذلك كله لوحة الشاشة “الملاك الأسود” (1970)، طباعة شاشة على ورق تزاوج حسّ التصميم الإسكندنافي مع مفهوم “ما” الياباني — استثمار الفراغ السلبي بشكل متناغم. توازن الملاك بين قاعدة مربعة وجذع مجنّح يوحي بالثبات والتحليق في آن؛ والخط الأحمر الرأسي الرفيع، المائل قليلاً، يربط طاقة الشكل الداخلية بالتاج الأحمر أو القبة الحمراء أعلى الصورة. قساوة الشكل توحي بالقوة وصلابة الحضور. هذا العمل يؤدي وظيفة ثقافية مشابهة لـ”أمريكا؟” لكنه لا يغرق في بلاغة التمثيل والتفسير، بل يصيب النقطة الحلوة بين الفن والتصميم والتعليق الثقافي، ويتحدث في آن واحد إلى التعبيرية التجريدية الأميركية، والتصميم الإسكندنافي، والحدّة اليابانية — وفي النهاية يظل عملاً يعبر عن سميث وحده.

هذا الجهد الإبداعي الواسع أعاد ترتيب تصوّري للفروق الاعتباطية بين طبقات الإنتاج الجمالي. سيكون من المثير أن نعرف إن كان المعرض وفهرسه ثنائي اللغة سيعيدان تأسيس سمعة سميث في البلاد. أملي — والواقع يدعوني لأن أرجو — أن يحدث ذلك.

معرض “فن وتصميم هوارد سميث” مستمر في متحف بالم سبرينغز للفنون (101 نورث ميوزيم درايف، بالم سبرينغز، كاليفورنيا) حتى 23 شباط/فبراير 2026. نظّمته بالاشتراك متحف إسبوو للفن الحديث في فنلندا، وبإشراف القيّم ستيفن وولف.

يقرأ  المحكمة العليا الأمريكية تسمح لإدارة ترامب بخفض نحو ٨٠٠ مليون دولار من تمويل الرعاية الصحية أخبار دونالد ترامب

أضف تعليق