ترتبط كتابات جيمس بالدوين جميعها بأمر واحد جوهري: الحب على حاله الخام. لم ينجح أي سيرة ذاتية، منذ ديفيد ليمينغ—الذي اختاره بالدوين بنفسه كـ”بوسويل”—في تصوير هذه الحقيقة الأساسية لهذا الكاتب الفذّ أفضل ممّا فعل نيكولاس بوغز في سيرته الجديدة، الموثوقة والشاملة، التي يؤطِّر فيها حياة بالدوين كسلسلة من قصص الحب.
قسم بوغز كتابه بحكمة إلى أربعة أجزاء مميزة—أو «كتب» كما يسميها—على طريقة روايات بالدوين. كل كتاب يتمحور حول محبوب في حياة بالدوين، وكما في أدب بالدوين، يتدفّق السرد كضفة كسرت سدّها من الحوادث. في ثلاث حالات كانت هؤلاء «المحبوبات» عشاقًا وشركاء رومانسية: الرسّام لوسيان هابرسبيرغر (الذي رافق بالدوين بين 1948 و1955)، والممثل إنجن تشيزار (1957–1970)، والرسّام يوران كازاك (1971–1976). انتهت كل قصة بانفصال مدوٍّ.
مقالات ذات صلة
لكن الجزء الأول من السيرة يروي قصة ارتباط أكثر ديمومة: علاقة بالدوين بالفنان بوفورْد دلاني، الذي لا تزال ألوانه تدور وتصدِم بنفس القوّة التي كانت عليها في الأربعينيات. على عكس المحبّين الثلاثة الآخرين، لا يتّضح ما إذا كان دلاني أم بالدوين قد أتمّ علاقتهما جسديًا، وهو ما يضفي على قصتهما نوعًا من الحزن الدفين. يتداخل دلاني ويخرج من بقية حياة بالدوين؛ هو المرشد، والنور، وشعاع الذهب، والإمكانية المتأرجحة.
«تعلّمت عن النور من بوفورد دلاني، النور المحتفَظ في كل شيء، في كل سطح، في كل وجه»، كتب بالدوين عام 1964، بعد عقدين من لقائهما. كان عمره سبعة عشر عامًا فقط عندما قال له صديق من صفّ اللغة الإنجليزية في المدرسة الثانوية: «عليك أن تقابل هذا الرجل الرائع في الـفيليدج». كان رسّامًا. كان أسودَ البشرة. واعتقد الصديق أنّه وبالدوين سيتفقان بالتأكيد. التقيا ذات ظهر في البناية الطوبية الباهتة في 181 شارع غرين، التي وصفها هنري ميلر ذات يوم بأنها «مسكن سماوي مملوء باللوحات المجنونة بالألوان». استذكر بالدوين أن الاستوديو كان دافئًا بفضل «مدفأة سوداء بحجم البطن». وسط هوس اللوحات، لفتت عينه صورة قديمة على فيترولا، كانت تُشغّل—منها—دلاني، الذي كان في الثلاثينيات من عمره عند لقائهما، أسطوانات 45 متشوهة من البلوز والجاز طوال النهار. أخذت هذه الابتدائية—كبير وصغيره—مكان ما تركته معلمة السينما الشابة البيضاء، بيل ميلر، موقظةً فتيلًا بسيطًا من الإبداع في بالدوين. في استوديو دلاني تعلّم بالدوين كيف يصغي بعناية إلى البلوز وجاز الروّاد، وكيف يحتضنهما كجزء من تراثه الثقافي.
لن يغيب عن بالدوين الطابع المتداخل لِمَن علّموه؛ فقد كتب لاحقًا أن «عندما أدركت أن الموسيقى، لا الأدب الأمريكي، هي لغتي الحقيقية، لم أعد خائفًا. ثم استطعت أن أكتب حقًا.» بدأ الكاتب بجرأة مجموعته الأولى من المقالات، Notes of a Native Son (1955)، بالإقرار بأن مهنته الأدبية تقع ضمن «الوسط المرافق الكارثي الصراحة للّغة».
يمهّد بوغز لقسمه عن دلاني بسطور ختامية من مقالة بالدوين عن الرسّام: «ربما لا ينبغي أن أقول، بصراحة، ما أعتقد—أنه رسّام عظيم، من بين الأعظم؛ لكني أعلم أن الفن العظيم لا يُصنع إلا من الحب، وأنه لا يوجد عاشق أعظم ممّن أمسك فرشاة.» قد يذهب بعض المثقفين القساة إلى الاعتقاد بأن مفهومًا قذرًا ومنمّقًا مثل «الحب» لا مكان له في النقد أو التاريخ، وأن أسوأ خطيئة أن تخلط بين الفنان وعمله. لكن ذلك اعتراض رسمي مبالغ فيه ولا إنساني على الحقيقة. تُظهِر سيرة بوغز سبب ذلك، مذكّرةً إيّانا بأن الحياة والفن متشابكان حتميًا. نتعرّف على أن دلاني جلب لبالدين أول عمل له كنادٍ في مطعم كاليبسو، مطعم غرب هندي كان يقع سابقًا في شارع ماكدوجال في مانهاتن. يصف مشاهد في استوديو دلاني حيث كان بالدوين، «ما يزال مرتديًا أرديته»، يغطّ في النوم متكئًا عند قدمي مرشده بينما كان يعزف على الغيتار ويغنّي له. يكتب أن بالدوين «بحاجة ماسة» إلى أن يُظهر له دلاني أن حياة تشكّل العقل والروح عبر الجمال ممكنة. بصفته محلّلًا فطريًا لطباع بالدوين، يَرَ بوغز بدقّة كيف ترتبط الأجزاء كلّها بالكُل—الحُبّات، الروايات، الظهور التلفزيوني، الصراعات مع المثقفين السود والبيض، الانفصالات، المقالات، والسفر المتقطّع حول العالم.
ورغم كل ذلك، يثابر دلاني.
قد يكون، كما يقترح لويس مِيناند في مراجعته المملّة والمستفزة لهذا الكتاب الكبير في النيويوركر، هناك دوكسا صامتة للمعنى، متّفق عليها من قبل الخبراء وذوي الذوق، والتي ينحرف عنها بالدوين. يقول إن «من الصعب إنكار» أن عمل بالدوين «تدهور» مع تقدّم مسيرته الكتابية. (من السهل إنكاره أيضًا.) حسب مقاييس ميناند الجافة، فإن الجيد عند بالدوين هو رواياته الأولية «السردية»—Go Tell It on the Mountain (1953) وGiovanni’s Room (1956)—والمقالات المجمعة في Notes of a Native Son (1955) وNobody Knows My Name (1961). لكن بحسب ذوقي، لم تنطلق رحلة بالدوين الفنية حقًا إلا مع الفشل النقدي والتجاري الذي ما زال يُستخف به Tell Me How Long the Train’s Been Going (1968)، وتبلغ ذروتها في الانفجارات الطويلة والصارخة والألحانية لِـJust Above My Head (1979)—بالنسبة لي إنجاز لا يُضاهى. لا ينغمس كتاب بوغز في ترتيبٍ مملاً كهذا.
وفي خِضم كل ذلك، يبقى دلاني صامدًا. مع تزايد نجومية بالدوين تراجعت حالة ديلاني؛ أصابه الوهن النفسي وطارده هلوسات وأصوات في رأسه تحثه على الانتحار بعد اعتداء وحشي في حديقة واشنطن سكوير، حيث هاجمه شباب بيض وسبّوه قائلين: «يا زنجي مثلي». كما يكتب بوغز: «أصبحت مخاوفه من رجال بيض أشرار يغتصبونه أو يخصونّه عنصراً بارزاً في كوابيسه». ومع ذلك، كانت «الرسم وسيلته الدفاعية ضد الأصوات، هروبًا وتحويلاً للقوى الاجتماعية والنفسية التي طاردته». كان اللون والشكل والجمال، لكنه انتزعها بصعوبة. بقي بالدوين صديقًا مخلصًا، يصونه في محنته. هنا، وبين قصص عدة يكتشفها بوغز مستفيدًا من مراسلات مكشوفة على نطاق واسع، تظهر رسالة تشرح خطته لمساعدة ديلاني على التعافي. ممزقًا بالذنب لتركه صديقه أحيانًا حين طرقه العمل ومغريات الشهرة المشكوك فيها، كتب بالدوين أفكاره بصوته المعهُد من الضعف المميز: «لا أشعر أن لي الحق في أن أنقلب على [بوفورد]، أو أن أتخلى عنه بينما تمتد الشيخوخة تحته. لقد كان لي خيرًا جدًا، جدًا، عندما لم يكن كثيرون كذلك. أنا مدين له، حقًا، أكثر مما أستطيع أن أردّ إليه [و] هو لا يزال، رغم كل شيء، من أكثر الناس محبوبية، بل وحتى بطولية، الذين أعرفهم.»
بالطبع، كما سيظل هناك دومًا فجوة تفصلنا عن محبينا، لن نصل الى قلب أي فنان تمامًا، ولن نتمكن أبدًا من النفاذ إلى جوهره. مراسلات بالدوين الكاملة مع أربعة أشخاص — ماري باينتر، لوسيان، ديفيد بالدوين (أخوه)، وديلاني نفسه — تبقى مختومة عن الوصول العام حتى عام 2037. وحتى حين يحل ذلك اليوم الذي نقرأ فيه تلك الأعاصير العاطفية، فلن نجده حاضرًا كاملًا في كل صفحة. ومع ذلك، لا شك أن بوغز اقترب بعد ليمينغ (أحد أفضل أصدقاء بالدوين) أكثر من أيٍّ غيره في اختزال آليات الداخل التي تجعل كتابته دافعة وحافِرة للحقائق وكاسرة للحدود ودوماً جائعة لذلك الحب، لتلك الإحساس بالكمال الذي قد يظلّ يهرب منا إلى الأبد.