في عقد العشرينات من القرن الماضي جمع المؤرخ الفنّي المولود في هامبورغ أبي واربورغ أطلسه الشهير «نيموسين» — مجمّع واسع وغير مكتمل من الصور المصفوفة على أربعين لوحًا مصنّفًا بلا شروحات. وفي نحو الوقت ذاته أعدّ مجموعة صورٍ أخرى تحت عنوان «مجموعة الصور في تاريخ التنجيم وعلم الفلك»، تشكّل سلسلة صورية توضّح أن البشرية منذ الأزل كانت ترفع بصرها إلى السماوات لمحاولة فهم ذاتها والعالم، سواء بوجه علمي أو روحي.
أُعدّ العمل الأخير لافتتاح قبة هامبورغ الفلكية عام 1930، وُعرض هناك حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية. لسنوات طالت ظلت المجموعة الأصلية مفقودة، إلى أن عثر عليها المؤرخ الفني أوفه فلكنر في 1987 في مرمى نفايات؛ وأعيد تركيبهاَ في نسخة منقّحة أدار فلكنر معارضها، وهي الآن معلّقة في الأعلى المطّل لقبة الفلك كركيزة لمشروع موسع حمل عنوان «من الكون إلى العموم» — منظومة من معارض وأعمال عامة وفعاليات نقاشية تتجوّل حول عمل واربورغ في مواقع متعدّدة من مدينة هامبورغ حتى أواخر آب/أغسطس، في مبادرة أطلقتها القيّمة على مشاريع المدينة جوانا وارسزا.
في داخل القبة، يقرأ الزائرون لوحات واربورغ المكتظة بزخارفها مستخدمين مصابيح يدوية؛ اللوحات مرتّبة في مسار إهليجي مضغوط داخل فضاءٍ معتم عادةً وغير متاح للعامة. تستنسخ هناك رسوم ومخططات للسماء وما يحيط بها من أساطير، وتعيد تتبّع تطوّر التفكير الكوكبي من العصور القديمة مرورًا بأفكار كبلر حول مركزية الشمس، ورؤى دانتي للكون، إلى رموز التنجيم الشرقي والغربي، وغيرها الكثير.
من هنا تنطلق فكرة المعرض: التأمّل في الدهشة والخوف والتواضع التي استثيرت دومًا أمام السماء، وفي الوقت نفسه الإشارة إلى البوصلة الفيزيائية والروحية التي وفّرتها السماوات للبشر. وفي ذات الغرفة المظلمة تستكشف أربعة أعمال معاصرة مفهوم المكان والزمان وكيف رأت أو ترى الثقافات غير الغربية السماوات: عمل «القمر الدموي» (2025) لجماعة رقص ميديا كولكتيف يسلّط الضوء على أبعاد القمر الزمنية، بينما يقدّم الفنان من أصول أوجللا لاكوتا المعروف باسم KITE قطعة أرضية معقّدة شبيهة بالماندالا بعنوان «Iktómiwiŋ (رؤيا السحابة القائمة)» (2023/25) تسجّل الزمن والحلم، وهذه النسخة مبنية من أحجار محلية.
في الهواء الطلق، بحديقة المدينة المجاورة ـ Stadtpark ـ تنتشر اثنتا عشرة منحوتة على المروج وتحت الأشجار وفي البقاع المكشوفة، ليصادفها محبو الفن والعدّاؤون على حد سواء: تربط «حقول عباد الشمس» (2025) لأغنيس دينيس بين الأرض والسماء بذورًا مزروعة محبة للشمس، بينما تردّ هيدي فوت في عملها «هيدرا والعملاق البرتقالي» (2025) السماوات إلى الأرض — كُرات ملاعب من الخرسانة الباستيلية مستلقية على العشب في المدرج الطبيعي القديم لتعكس كوكبة هيدرا. وتتناول أعمال أخرى العرافة، مثل «مجموعة التاروت» (1954) لخول سولار، بطاقات تاروت عملاقة على العشب، أو الأساطير الكوسمولوجية، كما في «الرحم الكوني» لهدى توكّل، تركيب يصوّر الإلهة المصرية نوت التي تبتلع الشمس كل ليلة لتنبذها من جديد كل صباح.
في صالة كونستهاوس هامبورغ تُعرض جزء ثانٍ من المشروع بعنوان «بين النجوم والإشارات»؛ هذا القسم يعكس الموضوعات من منظور مغاير. بينما يعطي أرشيف واربورغ وزناً متساوياً للعقلاني واللاّعقلاني، تبرز مجموعة المعرض الجماعي كيف أن السماء اليوم تراقبنا: سجلات دقيقة وجمع بيانات وخوارزميات بدّلَت بشكل جذري ما تستند إليه البشرية في توجيه نفسها. من بين الأعمال هناك لوحتان من سلسلة «الغيوم» لتريفور باجلن برقمَي 211 و248، اللتان توجهان نظرة خوارزمية إلى السماء، و«recurse 4 a late planet (lush)» (2025) لنولان أوسوالد دينيس، مخطط غني يستظلّ بعلاقة الكويكبات بالصخور المقذوفة في الاحتجاجات؛ كلها تبدو وكأنها تسأل: ما هي كوزمولوجياتنا اليوم؟
الحروب، فوضى المناخ، والذكاء الرقمي ليست سوى بعض العوامل التي تجعل هذه اللحظة من تاريخ البشر فترة تشتت جماعي، تشظٍ في الإدراك، وارتباك زمني. لا يتيح «من الكون إلى العموم» لنا أن ننسى هذا بسهولة، بل يذكّرنا، وربما بطريقة مطمئنة ومؤكدة للحياة، أن الإنسانية ناضلت على الدوام لتفسير وتوجيه نفسها تحت نفس السماء منذ زمن السحيق. تبدو هذه الأعمال كدَفعة لإعادة التفكير في طرقٍ أكثر حدسًا للوجود — بل والازدهار — داخل اتساع الخلق … معًا.
يستمر معرض «من الكون إلى العموم» في قبة هامبورغ الفلكية (Linnering 1، هامبورغ) وكونستهاوس هامبورغ (Klosterwall 15، هامبورغ) حتى 24 آب/أغسطس. نظّمته جوانا وارسزا، التي انسقت قسم حديقة المدينة، فيما أشرف أوفه فلكنر على جزء القبة وصنّفته، وتولّت آنا نوفاك تنسيق جزء كونستهاوس.