بعد مغادرتها عالم الفن عادت أندريا زيتل الآن بقواعد جديدة

تكاد كلّ فنانة أو فنان يتوقّف في مرحلة ما من مسيرته ويتساءل: ما الذي أفعله؟ السؤال الوجودي هذا يمكن أن يكون محرِجاً ومربكاً، لكن من يثابر على العيش مع هذا الإحساس بعدم الارتياح قد يجد فيه خطوة أولى نحو اختراقٍ كبير في العمل والإدراك.

قليلات هنّ أو هم من يُجابهون مثل هذا السؤال بقدر ما فعلت الفنانة أندريا زيتل. عملها بيت من جِذور اهتمام طويل بمعنى العيش، وتحويل رتابة الحياة اليومية إلى ممارسات فنية. ربما أصبحت معروفة بصورة خاصة بمشروعها الأرضي الواسع A‑Z West في صحراء موهافي، وهو امتداد على مساحة نحو ثمانين فداناً يعمل كميدان تجريبي لطرق معيشة بديلة: كبسولات نوم تجريبية، مطابخ جماعية، وإنتاج محلي للغذاء والنسيج والأثاث — كلُّه يُنتَج في الموقع.

سلسلة الزيّ الموحد A‑Z Uniform Series لدى زيتل تأخذ حكاية الحياة اليومية إلى مستوى شخصيّ أكثر. في سنة 1991 صَنَعت لنفسها لباساً ارتدته يومياً لستة أشهر متتالية — وهي ممارسة أعادتها دورياً منذ ذلك الحين، متغيرة مع فصول كاليفورنيا. عملها مبني على النية المتعمدة، واستدامة الموارد، وفنّ التمهل؛ عناصر قد يصطدم بعضها بضغطة عالم الفن على النمو المستمر. لذا، قبل بضع سنوات قررت زيتل أن تتراجع مؤقتاً عن العروض العامة لتتأمل معنى استمرار حياة إبداعية منتصف المسار. الآن تعود من جديد بنظرة متجددة وجسد جديد من الأعمال، يفتتح في معرض Sprüth Magers في برلِن.

خلال فترة الانسحاب هذه، قضت وقتاً طويلاً في الكتابة والقراءة، متأملة في علاقة الفن بالحياة. فقدت والدتها، ومن ثمّ واجهت مسألة الذات حين رافق مرض الزهايمر زوال حضورها الذاتي قبل الجسد الفيزيائي، ما دفع زيتل لتفكير عميق في ما يمثّله كلُّ فردٍ في هذا العالم وماذا يترك وراءه. هذه المرحلة توافقت أيضاً مع اقترابها من سن الستين، فتحوّلت إلى محطة لبلوغ رؤى كبرى عن المعنى والوجود عندما يبدو العالم من حولك في حالة تفكك.

يقرأ  المعرضُ الختاميُّ لفنّانٍ فلسطينيٍّ في وطنِهِ

تشرح زيتل أن دمج الفنّ والحياة كان دائماً طبيعياً لها: الفن هو الوسيلة التي تعبِّر بها عن فهمها للعالم. لكن المشكلة الأكبر تكمن في جعل هذا العمل علنياً. عندما قررت العودة إلى «حوار الفن»، سعت إلى طريقة مختلفة لتجسيد أفكارها: الانتقال من منشآتٍ مُصنعة كبيرة إلى عمل أكثر مباشرة، حيث يصبح فعل العيش نفسه مادّة العمل. جزء من هذا الانتقال كان عملياً: التخلص من الحاجة لاستوديو كبير وفريق عمل يخفف العبء المالي والجغرافي. كما أنها تشعر بازدراءٍ لطريقة إنتاج وعرض الفن الحالية التي تبدو هدّامة ومضيعة للموارد.

لمساعدة نفسها على التحول، فرضت زيتل مجموعة قواعد عمل وضعتها كإطار للعمل الجديد، ثم تحدّت نفسها لإنتاج مجموعة تتماشى معها. القواعد كانت كالتالي:
– عمل ينبثق مباشرة من الحياة اليومية.
– عمل يمكن تنفيذه في أي مكان — على طاولة المطبخ أو في غرفة فندق.
– عمل كفء في الإنتاج.
– عمل يتطلب مساحات تخزين صغيرة وسهل النقل.
– عمل يجسّد معنى الوجود والمشاركة في ثقافتنا المعاصرة.

النتيجة: سلسلة بعنوان «الأداء العام للذاات» التي اعتبرت فيها نفسها مؤدية لذاتها كلّما تواجدت في مواقف مع آخرين. استلهمت من تعريف آلان كابرو للأداء بوصفه أداء وظيفة أو مهمة، لا بالضرورة للعرض أمام جمهور؛ وهذا الازدواج في المعنى هو ما يقوم عليه عملها الجديد. أثناء تجوالها تطلب من مرافقيها التقاط صور بواسطة هواتفهم ثم تكتب تقارير عن كل أداء بلغة هجينة بين الجفاف الوصفي للفن المفاهيمي في الستينات والسبعينات ولغة منشورات التواصل الاجتماعي، تصف زيّها الموحد، تسريحتها، ملمع الشفاه، أحذيتها، وما قامت به في تلك اللحظة — نصوص تحمل فكاهة جافة لطيفة.

عندما قررت عرض هذه المواد في صالة عرض، اختارت تنسيقاً يوحي بالأعمال المفاهيمية المبكرة: نصوص وصور مُركَّبة على خلفيات سوداء ومحاطة بإطارات هندسية. عودتها إلى التصوير الرقمي، بعد بداياتٍ كانت فيها الصورة آنالوغية، أعادت إليها الإحساس بالمرونة والكفاءة؛ فكل عمل يعيش هكذا كملف يمكن طباعته في أي مكان وفي أي وقت.

يقرأ  إعصار فائق يتجه صوب تايوان وهونغ كونغ والصين بعد أن اجتاح الفلبين

من الأمثلة اليومية على هذه «الأداءات»: التسوّق، زيارات المتنزهات الوطنية والمتاحف مع شريكها أو ابنها، ومن بينها زيارة إلى Spiral Jetty للمرة الأولى. هناك أداء آخر تروي فيه رحلة بقطار التلفريك من بالم سبرينغز إلى جبال إيديلوايلد للهروب من حر الصيف، حيث تكدّس الناس على المراقب وتصف مشهد ابنها المنشغل بهاتفه رغم انعدام الشبكة، لكن المناظر كانت مذهلة وشيئاً من التجاوز الروحي بدا ظاهراً في الصور.

تلك القواعد التي وضعتها — والعمل في الحياة اليومية كعمل فني، القابلية للتنفيذ في أي مكان، الكفاءة، صغر الحجم، والإحالة إلى معنى المواطَنة الثقافية اليوم — كانت بمثابة خريطة طريق لمرحلة جديدة في مسيرتها الفنية، تتيح لها الاستمرار بصيغة أقل تبذيراً وأكثر مباشرةً وتأملاً.

أضف تعليق