تقف لوحات اندرو هِم على هامش العالم المرئي؛ تكاد تهمس بما هو أبعد من الواقع. بأسلوب فوري يسهل تمييزه، يمزج هِم بين التصوير الشكلي ومناظر طبيعية ضبابية، بقايا فن الغرافيتي وفهم رصين لتوافق الألوان. سواء كانت مشاهد حضرية أم ريفية، معاصرة وفي الوقت ذاته خارج الزمان، تنشئ أعماله منطقة تقاطع بين الواقعية والغرائبية، بين حقائق شخصية وأحلامٍ مشتركة.
ليس من المستغرب أن ينبع هذا الأسلوب الفريد من مسار حياة غير تقليدي. نشأت ملكات هِم الإبداعية في شوارع لوس أنجلوس، تَمَصَّلت وصقلت في ArtCenter College of Design في باسادينا، وتطورت عبر سفراته المتعددة ومهنته في عالم الطيران. في حي كولفر سيتي نشأ محاطًا بالكتابات الجدارية وعلامات العصابات؛ ومع دخوله المدرسة الثانوية بدأ يهوى كتابة الوسوم ليلاً على الجدران، حتى انتهى به الأمر إلى قضاء فترة قصيرة في السجن، ما أبعده عن تلك الممارسة نهائيًا، وتحول بعدها إلى الاحتراف في الرسم. على مدار السنوات عمل في مجال الإيضاح لدى ديزني، وتعاون مع علامات تجارية مثل أديداس وسوني بيكشرز، وسافر لعرض أعماله حول العالم، بل تلقى دعوة من البيت الأبيض كأحد عشرة فنانًا احتُفل بهم ضمن مناسبة عن الفن الأمريكي.
تمامًا كما خلفيته الغريبة، لا يتبع هِم طريقة ثابتة في عمليته الفنية. كما يقول: «كل عمل مختلف»، ومن ثم يصعب عليه تبنّي منهج يتكرر باستمرار. قد يبدأ أحيانًا بدراسة سريعة أو تجسيد رقمي، وفي أحيان أخرى — حين تكون الرؤية واضحة — ينتقل مباشرة إلى القماش. عدم وجود روتين ربما هو السبب في استمرار شعوري بالحماس كلما دخلت الاستوديو بعد كل هذه السنوات.
مجموعته الأخيرة التي عُرضت حتى ديسمبر في دوروثي سيركس غاليري بلندن تحمل عنوان «ملاذ» وتضم خمسة عشر عملاً جديدًا أنجزها هِم أثناء الجائحة. العنوان يحمل تداخلًا من الدلالات: إشارة إلى ماضٍ شخصي وإقرارًا بأن الفن يمكن أن يكون ملاذًا في أوقات الاضطراب. والده ووالدته فرّا من كمبوديا أثناء إبادة الخمير الحمر، وقد وصل هِم إلى الولايات المتحدة وهو في ستة أشهر فقط؛ وُلد في مخيم للاجئين ثم كفلهما أفراد من عائلة في ريتشموند بولاية فيرجينيا لإحضارهما إلى البلاد.
«منذ ذلك الحين ترأّس والداي كفالَة بعض العائلات الأخرى وأحضروهم إلى الولايات المتحدة أيضًا»، يشرح هِم. «من الرائع الحياة التي استطاعا بناؤها بفضل تلك الفرصة. أعلم أن ذلك يسعدهما لأنهما أكملا دائرة كاملة. هذا جزء مما رغبت في التعبير عنه في هذه المجموعة الجديدة.»
فكرة الترابط والدوران الدوري للحياة متجلية بوضوح في هذه المجموعة. كل لوحة تحكي سردًا مستقلًا، وجوهرها مكّنها من الثبات المكاني والزماني، ومع ذلك تظل الأعمال مترابطة: تفاصيل متكررة، تجارب مشتركة وصور تعود فتظهر مجددًا. في «Upside Down» يقف شخص مرتدٍ سترة بقبعة (هودي) أمام خلفية من قوارب صيد وجبال؛ وفي لوحة أخرى بعنوان «Straight Fire» يمشي شخص آخر بغطاء رأس مبتعدًا عن مشهد فوضى يضم سيارات إطفاء وخطوط كهرباء ساقطة تحت سماء تتصاعد منها سحب الدخان. في لوحاته يتحول الهودي إلى رمز؛ دلالة تتكرر في سياقات حضرية ورَيفية، غربية وشرقية على حدٍّ سواء، خيط مشترك يؤكد الألفة الأساسية التي تجمعنا كبشر مهما اختلفت خلفياتنا.
«كل عمل مختلف… لذا يصعب إيجاد طريقة تلتصق وتكرارها مرارًا وتكرارًا.»