تركيبات سونغ دونغ الضخمة مرآة للذكريات والعولمة ولحتمية الزوال

تلتقي المرايا والأنوار والأثاث المنزلي على مقياس درامي في التركيبات المضيئة للفنان الصيني سونغ دونغ، الذي يتجاوز أطر التخصص الواحد في ممارسة فنية تتشابك فيها الأداء والنحت والرسم والفيديو والخط لتستدعي الذاكرة وتخلق تجارب غامرة هائلة الأثر.

تتكرر لدى سونغ محاور الانتقال وزوالية الأشياء؛ نَلمَس ذلك في مجموعات من التركيبات والأداءات التي شُيِّدت فيها مدن من صنوف الحلوى على الموائد، ثم فُكِّكت طوبةً طوبةً — أو بسـيـكويتَ بسـيـكويت — بينما يمر الزوار بجانبها. على السطح تبدو الأعمال لعوبة وحلوة الطعم، لكنها في العمق استجواب لتجربة الطفولة التي عاشها الفنان في ظل ندرة الطعام، وللمفاهيم الأوسع عن الزوال والعولمة.

عمله الشهير “لا تُهدر” (2009) — أداء تركيبي عرضته أولاً Beijing Tokyo Art Projects ثم متاحف ومؤسسات كبرى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا — يستكشف كذلك قضايا الاستهلاك وعدم الديمومة. بدمجه أكثر من عشرة آلاف غرض كانت والدته قد تراكمت لديها عبر خمسة عقود، صار العرض فعلاً من فعلية التفريغ الجسدي والنفسي، بحسب غاليري بيس؛ فالمشاهد يواجه «منظومة من السلع» تتراوح بين أغطية الزجاجات والأحذية والبطاطين وأنابيب معجون الأسنان والقدور المعدنية والألعاب، وكأنها مشهد طبيعي لصيرورة حياة يومية.

يعمد سونغ إلى تركيب أعماله من نوافذ خشبية قديمة، إطارات أسرة، أبواب، مرايا، مصابيح، زجاج ملون، بورسلان ومواد معثور عليها و«حاجات يومية». هذه العناصر تُؤلف تركيبات هيكلية معقدة تستحضر أحلام الانتماء والبيت والأمان والهجرة، وفي الوقت نفسه تستجلي العلاقة المتداخلة بين الذاكرة والواقع، وبين الفكاهة والصدمة. يستقي مادته من شوارع بكين، حيث يجمع قطع الأثاث المقذوفة والعناصر المعمارية والأشياء المعيشية البسيطة.

تقول غاليري بيس: «تحمل هذه اللوحات المجمعة من بقايا بيوت الناس تاريخ المدينة وحياة أهلها. وعندما يُدعى المشاهد للتلصص، يتحول إلى متلصّص فعلي: يتخيل بيوته، وقصصه، وربما يستحضر تجارب مشتركة، ويبدأ بالتفكير في المستقبل.»

يقرأ  جفاف طويل الأمد قد يكون السبب في نهاية حضارة المايا القديمة

في إطار بينال ساو باولو السادس والثلاثين، الذي يعج بأعمال طموحة لفنانين من شتى أنحاء العالم، يظهر عمل سونغ وسط تركيبية واسعة. القطعة الموكلة إليه بعنوان «استعارة الضوء» تتحول إلى عالم معكوس مكدّس بالمصابيح التي تنعكس على كل سطح، لا يختلف كثيرًا في شعوره عن غرف المرايا اللامتناهية ليَّايوي كوساما.

ينظر الفنان إلى مفهوم «الاستعارة» بوصفه مؤقتًا بطبيعته؛ فيعبر عنه كإطار معرفي لفهم قصر مدتنا على الأرض، سواء في دورات الحياة أو حتى في وجود البشر عبر ملايين السنين التطورية.

يستمد سونغ مصادر إلهامه «من بيت المرايا في مواسم الملاهي ومن منهج فنغ شوي الصيني التقليدي الذي يستخدم المرايا والنوافذ لتوسيع الفراغ الداخلي وإدخال الخارج»، بحسب نص المعرض. تصبح «استعارة الضوء» تجربة تشاركية، حيث تنعكس حركة الزوار وتتلألأ داخل الفضاء، وتتيح الكراسي والمصابيح المعارة من بيوت خاصة نقاطًا للراحة والتأمل.

تقول البينالية: «بلعبه بعناصر سائلة كالنور والانعكاس والوهم، يغمر تركيب سونغ الجمهور في كون لامتناهي، تتشابك فيه صورنا وعقولنا في ضوء فضّي متوهج.»

هل تهمك مثل هذه القصص؟ يمكنك دعم النشر الفني المستقل عبر الانضمام إلى عضوية Colossal والمساهمة في إتاحة الفن والموارد للمجتمعات المدرسية.

أضف تعليق