توثيق التاريخ الذي يسعى ترامب إلى محوه

يعمل مؤرخون وأمناء مكتبات ومئات المتطوعين على توثيق القطع واللوحات التعريفية المعروضة في متاحف مؤسسة سميثسونيان وفي المواقع التي تديرها خدمة الحدائق الوطنية، خشية أن تكون توجيهات إدارة ترامب الأخيرة مهددة للتاريخ العام.

تقوم مجموعتان كبيرتان من المتطوعين — «المؤرخون المواطنون» في واشنطن العاصمة، ومبادرة «أنقذوا لافتاتنا» في مينيسوتا — بفهرسة منهجية لآلاف القطع، بما في ذلك شواهد تروي تاريخ الشعوب الأصلية في غابات موير بكاليفورنيا، ولوحات مصحوبة بنص ثنائي اللغة في المعرض الوطني للصور الشخصية، ووصف لتاريخ العبودية في منتزه الاستقلال الوطني.

يرغب القائمون على هذه المشاريع أن تحفظ قواعد بياناتهم السرديات التاريخية المدروسة والمنسقة بعناية، في وقت تمضي فيه إدارة ترامب قدماً بجهود لتعديل المعروضات والمحتوى التاريخي.

علم البروفيسور جيم ميلوورد من جامعة جورجتاون، المتخصص في تاريخ الصين والتاريخ العالمي، وزميلته تشاندرا مانينغ، المؤرخة الأمريكية المختصة بالقرن التاسع عشر، برسالة أرسلتها الاداره إلى أمين سميثسونيان لوني بانش في أغسطس. قال الاثنان إنهما شعرا بالقلق فور اطلاعهما على مضمون الرسالة. وفي غضون أسابيع قليلة شكلا مبادرة المتطوعين «المؤرخون المواطنون» التي التقطت أكثر من 31 ألف صورة خلال خمسة أسابيع — ما يغطي نحو 56% من المعروضات في نظام متاحف سميثسونيان.

استقطب المشروع حتى الآن أكثر من 750 متطوعاً من منطقة واشنطن العاصمة وولايات ماريلاند وفيرجينيا، وتضاعفت طلبات التطوع بعد أن نقلت إذاعة NPR تقريراً عن عمل المجموعة مؤخراً.

أعربت مانينغ، التي عملت سابقاً كحارسة منتزه، عن قلقها الشديد إزاء اقتراح إضافة رموز QR إلى اللوحات في الحدائق الوطنية في مايو، وهو الاقتراح الذي دعا الجمهور للإبلاغ عن «أي لافتات أو معلومات سلبيّة عن أمريكيين سابقين أو معاصرين» أو التي «تفشل في إبراز جمال وعظمة ووفرة المناظر الطبيعية والميزات الطبيعية الأخرى». كما طالبت الإدارة موظفي المتنزهات بالإبلاغ عن مثل هذه اللوحات.

يقرأ  هل يمكن الآن التوصل إلى اتفاقٍ فوري لوقف إطلاق النار في غزة؟الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

بينما تناولت مبادرة «أنقذوا لافتاتنا» أوامر محتوى المتنزهات الوطنية، وجهت مانينغ اهتمامها إلى سميثسونيان الذي كان أيضاً تحت تدقيق البيت الأبيض.

حذّرت مانينغ من أن ما وصفته «تصحيحات المحتوى» الموعودة قد يترتب عليها تبعات فعلية: «قد يقول البعض: هناك الكثير من المشاكل في العالم، ما الفارق إن تغيّر ما نعرضه على جدران متاحفنا؟» ثم أجابت: «إذا أمكن حذف قصص وتجارب وأشخاص وجماعات كاملة من الماضي، فسيصبح من الأسهل حذفهم أو طمس وجودهم في الحاضر أو حتى المستقبل.»

يعمل ميلوورد ومانينغ مع طالبة الدراسات العليا في جورجتاون جيسيكا ديكنسون جودمان على بناء البنية الرقمية اللازمة لتخزين الصور التي يلتقطها المتطوعون ونشرها للعامة لاحقاً. حالياً تُكلف فرق المتطوعين بأقسام محددة لتوثيقها، ثم ترفع الصور إلى مجلد Google Drive مخصص. وتقود كل فرقة فرعية «قائدة» تسهّل عملية العمل وتنسقها.

قالت جودمان إن التوثيق الذي يقومون به «لن يبلغ أبداً مستوى التوثيق البديع الذي تنتجه سميثسونيان في كل معرض»، لكنها أضافت: «أعتقد أن الأنظمة المرنة لديها عدة خزانات للحقيقة يمكن الاعتماد عليها، وهذا يوفر خزانة إضافية، ويصعب قمع حقيقة مشتركة متاحة بهذا الشكل.»

أعرب ميلوورد عن أمله في أن تكون هذه الجهود «مضيعة للوقت» إذا لم تدخل الأوامر التنفيذية والمذكرات حيّز التطبيق الكامل. واستخلص من دراساته لحالات تاريخية حُذفت من الخطاب العام في الصين أن محاولة تغيير السرد التاريخي وعناصر المعارض قد تكون مؤشراً على انعدام الثقة لدى السلطة.

قال ميلوورد: «إذا كنت تختبئ دائماً وراء الدعاية، فذلك ليس دليلاً على القوة أو الثقة، بل على العكس. أعتقد أن أكبر مجمّع متاحف في العالم يشكّل جاذباً كبيراً للزوار الدوليين والأمريكيين على حد سواء؛ هناك يمكن عرض كل شيء بصور متعددة ومنح رؤى ووجهات نظر مختلفة.»

يقرأ  عندما يُفتَحُ بابٌينقلُنا بابٌ آخرُ إلى آفاقٍ جديدةٍ

استشارت مانينغ وجودمان وميلوورد مبادرة «أنقذوا لافتاتنا» قبل الشروع في مشروعهما، فالمجموعة التي تأسست بالتعاون مع مشروع إنقاذ البيانات وتتألف من أمناء مكتبات ومؤرخين ومتطوعين من مينيسوتا ومن مختلف أنحاء البلاد، تتابع حالات إزالة أو تعديل اللوحات عبر جدول بيانات مُتاح للعامة. ويمكن للزوار على موقع المشروع الاطلاع على صور قبل/بعد للافتات المعدلة، مثل حالة في موير وودز بكاليفورنيا هذا الصيف التي أُزيلت منها تفاصيل تاريخية تتعلق بالسكان الأصليين والنساء وحالات عنصرية.

جمعت المجموعة، بحسب مولي بليك، إحدى الأعضاء المؤسسة وأمينة مكتبة في جامعة مينيسوتا، أكثر من 10 آلاف صورة للافتات في المتنزهات الوطنية، مخزّنة في Google Drive وتُنشر دورياً للعامة.

قالت بليك: «أعتقد حقاً أن كل شيء على المحك»، في إشارة إلى الأمر الواسع لصالح إزالة أي محتوى «سلبي». وأضافت أن صورة معروفة تُظهر قسوة العبودية، المعروفة باسم “The Scourged Back”، طُلبت إزالتها من موقع فورت بولاسكي في جورجيا في توجيه صُورٍ مؤخراً.

وأردفت بليك: «الصورة وسيلة مهمة لفهم جزء من التاريخ الأمريكي المؤلم والمروع»، مضيفة أن التاريخ الحقيقي ليس مجرد قصص سعيدة أو ما يجعلنا نشعر بالارتياح.

لا تزال المجموعتان تبحثان سبل حفظ بياناتهما على المدى الطويل، لكنهما تسارعتا في التقاط وتمكين الاطلاع على تاريخ أميركا كما صاغه القيمّمون والمؤرخون والمسؤولون على مرّ القرون. طالبت إدارة ترامب باتخاذ تدابير في كل من المتنزهات الوطنية ومؤسسة سميثسونيان تماشياً مع طلباتها المتعلقة بالمحتوى اعتبارا من هذا الشهر، غير أن نطاق هذه الإجراءات لم يتضح بعد على نحو كامل.

«سميثسونيان ليست ملكاً لشخص واحد؛ كل هذه الأشياء جزء من كنوزنا الوطنية المشتركة، وغالباً ما يعني ذلك أننا جميعاً نستمتع بها، لكن أحياناً يعني أيضاً أن اننا جميعاً نتحمل مسؤولية الحفاظ عليها — وهذا ما يحدث الآن»، قالت مانينغ.

يقرأ  النسخة الصينية من فيلم أسترالي تُعدّل لتحويل ثنائي مثلي إلى ثنائي مغاير

أضف تعليق