«لن نكون أحراراً حتى تكون فنوننا حرة» — عبارة وردت في منشور من ستينيات القرن العشرين عن ائتلاف عمال الفن، مجموعة ناشطة ساهمت احتجاجاتها في إعادة تشكيل المشهد الفني في نيويورك. تذكّروا هذا القول عند زيارة متحف الاستوديو في هارلم، حيث تُقدَّم الآن مراجعة متأنية لأعمال توم لويد، العضو في الائتلاف الذي تحدث عن الحرية بنفس لغة أعماله.
يقع المعرض داخل فضاء يشبه الكنيسة بسقفٍ مرتفع، وغالبية الغرفة مخصّصة لمنحوتات الضوء التي أنجزها لويد في منتصف الستينيات. تومض تلك الأعمال، وتومض على إيقاع متقطع بين درجات غنية من البرتقالي والأخضر والأصفر والأحمر. تبدو هذه المنحوتات كإعادة تشكيل للتجريدات اللوحية في تلك الحقبة ولكن بوسيط جديد — فن بصري ينفعل بوعي أكبر بأنه ينتمي لعصر الاستهلاك، لا لفراغ شكلي مجرد.
الوسيط هنا هو الرسالة. استخدم لويد أضواء عيد الميلاد وأغطية مصابيح خلفية سيارات بويك — مواد متاحة بسهولة في السوق؛ لم تكن تلك المواد تقليدياً «مفردات الفن». بالنسبة إلى لويد لم يكن هناك فصل بين يوميّة الأشياء ومجال الفن.
لم يكن لويد الفنان الوحيد في عصره الذي استند إلى سلع قابلة للبيع لصياغة التجريد؛ ففي النصف الأول من العقد ذاته أنجزت يايوي كوساما لوحات من صفوف طوابع بريدية، وصنعت كريسا منحوتات من أنابيب النيون المشتراة من صانعي اللافتات التجارية، وارتكب نام جون بايك أعمالاً ربط فيها مغناطيسات بأجهزة التلفزيون.
رغم عرض هذه الأعمال في مؤسسات مثل معهد الفن المعاصر في بوسطن، ومعرض هوارد وايز، ومتحف الاستوديو، اختار لويد بنفسه أن يبتعد عن عالم المعارض التقليدي. فقد أسّس بدلاً من ذلك مؤسسته الخاصة، ستور فرونت ميوزيوم، في حي جامايكا في كوينز ذي الأغلبية السوداء عام 1971. وحتى بعد إغلاق المتحف عام 1986 لم يتراجع لويد؛ فمسعاه للتحرر الذي بدأ في التجريد استمر في سعيه للتمكين الثقافي لجماهير ما كانت تُعتبر مهمة لدى نخبة الفن التي كانت تهيمن آنذاك في ميدتاون مانهاتن.
حتى إعادة افتتاح متحف الاستوديو في مقر جديد هذا الخريف، كادت أعمال لويد ونشاطه السياسي أن تضيع بين ثنايا الزمن. أسباب النسيان معقّدة، وجزءٌ كبير منها يعود إلى الردّ المرير على معرضه عام 1968 في متحف الاستوديو الذي افتتح تلك المؤسسة العريقة. بعض الحضور رأوا في أعمال لويد نزعة «داونتاون» لا تتطابق مع صورة الفن الأسود المناسبة لهارلم — رد فعل يبدو اليوم باهتاً وغير منطقي، وربما لهذا السبب يغفل المعرض في معروضاته ذلك الفصل من التاريخ.
تحية إذن لمعرضه الحالي في متحف الاستوديو، الذي يعيد لويد إلى مكانه المستحق في تاريخ الفن. المعرض إنجاز بحثي أيضاً — إذ بحثت القيممة كوني هـ. تشوي عن منحوتات لويد في كل مكان، وبعضها ما يزال مفقوداً — وهو مقدّمة نافعة لفنان جسّد الجسر بين الحياة والفن.
بدأ لويد ذلك منذ منتصف الستينيات بصُنع تجمعات غريبة من التروس والعجلات والأسلاك. تشبه هذه التركيبات منحوتات جان تانغيلي في الشكل، إلا أن أعمال لويد أقل فوضوية وأكثر انتظاماً؛ بدا في بداياته وكأنه يتساءل: ماذا لو أُفرج عن آليات الأجهزة من غاياتها الأصلية وأُعطيت سياقاً جديداً؟
يتحوّل الرمادي في تلك المنحوتات المبكرة إلى ألوان بهيجة في منحوتات الضوء، التي تتفرّد ليس بجمالها الدافئ فحسب بل بطريقتها التصنيعية — فقد بدأ لويد حول عام 1965 التعاون مع مهندس اسمه ألان سوسمان. مرتبة كنجوم متفجرة وموازيّات الأضلاع وعلامات X وشيفرونات، تأتي أضواء لويد مصحوبةً بأسماء غامضة تزيد من طابعها الغريب. فيليورو (1968)، عمل على شكل نجمة يحتضن ما يقرب من 800 لمبة عيد ميلاد، عنوانه غامض بقدر غموض الشكل نفسه؛ يبدو كما لو أنه الاعلان عن نوع من منتج معياري عصري.
قليلة هي الأعمال في هذا المعرض التي ترجع إلى مرحلة ما بعد فيليورو؛ كلها لوحات تجريدية تبدو حزينة وتقليدية مقارنة بمنحوتات الضوء. ربما لأن لويد قد وجه اهتمامه في تلك المرحلة إلى آفاق أخرى؛ فقد التزم بشدة بتقدّم المجتمع الأسود لدرجة أن الفنان بيني أندروز لاحظ أن لويد «بعد عن الجميع» داخل مجموعة الطوارئ الثقافية السوداء، فغادرها وانضم إلى ائتلاف عمال الفن عام 1969.
رغم أن كاتالوج المعرض يغوص بعمق في نشاطه السياسي، فإن العرض نفسه يميل إلى تلميعه وتخفيف حدّته، محصوراً الكثير من التوثيق السياسي في صناديق عرض زجاجية مليئة بالأوراق التاريخية. صحيح أن منحوتات لويد ليست نصوصاً مباشرة عن العرق، ولكن الصحيح أيضاً أن نشاطه السياسي تحدّى الأعراف التي توجه كيفية عرض الفن، فثمر عنه نقاشات حول التغيير داخل المتاحف بدلاً من مجرد قطع تعرض في صالات. ومع ذلك، فإن المعرض يمنح «الفن» مساحة أكبر من «النشاط» — خطأ يبدو فادحاً لأن الاثنين كانا على ما يبدو متساويين الأهمية بالنسبة إليه؛ كما أن هذا الخلط قد شتّت فهم دوافعه وأهدافه.
المهم أن وجود هذا المعرض أصلاً دليل تقدّم ملموس وربما طريق نحو إضفاء مكانة قانونية على أعماله داخل السرد التاريخي للفن. لقد خرجت أعمال لويد أخيراً من مخازن النسيان واحتلت مركز المشهد — وبذلك صارت أعماله حرة في نهاية المطاف.