لندن — كيف تُنَظَّمُ معرضٌ مثير لفنانٍ بدا أن كل حجرٍ فيه قد فُحِص ودُرِس وكتب عنه إلى حدِّ الاستنفاد؟ في «ثيتر بيكاسو» بـتيت مودرن منحَ المنظمان وو تسانغ وإنريكي فوينتيبلانكا كل أحلام القيمين على المعارض: حرية مطلقة في استخدام مجموعة بيكاسو كاملة، وحرية شبه تامة لفعل شيء «مختلف» و«مثير». النتيجة؟ كابوسٌ لكل قيّم: الأعمال مضغوطة في غرفةٍ مظلمة حتى تكاد تخنق الزائر عند ذروة الإقبال، مرافقة بتعليقاتٍ مطوّلة تشبه مقالات ويكيبيديا، ومزجٌ لأسئلةٍ مفتوحة لا يربط بينها انسجامٌ قِيمي أو سردٌ توجيهي يساعد على الإجابة عنها.
منحا العرض كل مجموعة تيت من بيكاسو سألَا: «ماذا يكشف النظر إليها ككل؟» و«كيف ولماذا تجمع المتاحف ما تجمعه؟» — أسئلةٌ تُطرح ثم لا تُجاب. بدلاً من ذلك، يقدّم المعرض خليطاً من أفكارٍ فوضوية. في غرفةٍ ما يستخدم القيمان أسلوب عرض مخازن المتحف — صيغةٌ باتت شائعةً هذه الأيام — لعرض ما يُفهم على أنه تمثيلات بيكاسو للفحش والمسرح، مع القول إن الفنان «استعمل منصاتٍ معمارية لتأطير صورٍ فاحشة. وهكذا أدّى بيكاسو دور الفنان التراجـكودي، بإخراج ما قد يفضل البعض عدم رؤيته.»
كما يُطلب منّا أن ننظر إلى أعماله «عدسة الأداء» أو «البرفورماتيفيتي». هذا المصطلح يحتمل قراءاتٍ متعددة، لكن إحدى القراءات المهمة — بحسب المنظَّمين — هي قدرة الكلمات والأفعال على إحداث تغيير. يرى القيمان بيكاسو فاعلاً أداءً عبر كلامه وأفعاله وكيف صاغ شخصيته عبر وسائل الإعلام، بل وحتى عبر «أداء» ضربات الفرشاة أمام الكاميرا. ويضيفان أنه اهتم أيضاً بتصميم المشاهد والموسيقى والفلامنكو، ليضيف ذلك خيوطاً أخرى إلى شبكة ثيمات معقّدة أصلًا؛ وكان يمكن للرابطة المنهجية الواضحة بالـ«أداء» أن توضح كثيراً من هذا اللبس.
ترتيب اللوحات ليس زمنياً ولا منطقياً بالقدر الذي يُفترض: يعتمد إلى حدٍ بعيد على موضوعات سطحية. فُرِضت مجموعاتٌ متجاورة لمجرد جلوس نساءٍ على كراسي — لوحةٌ كيوبية لعام 1909 إلى جانب عريّة ماري-تيريز والتر في تجريدٍ أيقوني عام 1932؛ مخططات لتصميم مسارح؛ وأقسام معنونة بعناوينٍ عامة مثل «الحيوانات، الحرب والعنف» و«استوديو الفنان». وتغطي المجموعة أجزاءً هائلةً من إنتاج بيكاسو الذي يَستحق كل جزءٍ منها معارضَ متخصّصة — وقد نُقِّبَ في كثيرٍ منها حتى النخاع.
العنصر الأبرز، مع ذلك، هو قرار تسانغ وفوينتيبلانكا بإطار العرض كلُه على هيئة مسرح: يدخل الجمهور عبر هيكل خشبي يشبه الكواليس إلى الغرفة المظلمة للحافظة، ثم يخرج إلى النور لينظر إلى الوراء من خلال برسونيم محاط بخطواتٍ مرتفعة وستارة، حيث لا يزال الزائرون اللاحقون يتوقفون. كلُّ هذا ذكي ومتاخر من الناحية المفاهيمية — الجمهور ذاته يصبح الفعل والمشارك. لكن هذه الحيلة صالحة لأي فنان ولن تقول شيئاً مميزاً عن بيكاسو بعينه. ولا يجلِى سبب تركيز اللوحات المتبقية في منطقة «الجمهور» النهائية على فكرة تحضير الـ«تحفة» وعلى نسخةٍ مطبوعة عام 1949 لمقتطفات من كتابات مناهضة للاستعمار لأيمي سيزير من وحي بيكاسو — اذن يظل ذلك غامضاً تماماً.
تبدأ كتابة التقديم بتبرير دعوة تيت لفنانين معاصرين كي لا يتبنوا «منهجاً تاريخياً تقليدياً» في فحص المجموعة، بل أن يردّوا عليها بطريقةٍ حرة؛ وكأن هذا يُبرِّر حبكةً لا معنى لها بكونها «حلمًا». على مستوىٍ عملي، إن الامتناع عن أي عملية اختيارٍ منهجية يُقارب مبدأً معادياً للقيَّم. لو أن المنظمين استغلّوا الحرية بمنهجيةٍ أكثر انضباطاً وركّزوا على خيوطٍ معينة بعمق، مثل اهتمام بيكاسو بتصميم المسرح أو بالموسيقى، لكانت بعض الأسئلة المثيرة التي يطرحها القيمان في بيانهم قد وجدت أُطرَ إجابة أوضح. بغض النظر عمّا تظنه عن بيكاسو، فإن تقديم واحدٍ من أكثر الفنانين تعقيداً في التاريخ كمشروعٍ لمدرسة فنون يشبه تقليلاً منه.
يستمر معرض «ثيتر بيكاسو» في تيت مودرن (بانكسايد، لندن) حتى 16 أبريل 2026. أُقِيمَ المعرض بإشراف وو تسانغ وإنريكي فوينتيبلانكا، بمشاركة روزالي دوبال، ناتاليا سيدينا، وأندرو دي برون.