جاستن لوفاتو — الحساء الذري للكون الطبيعي

في سِنّ المراهقة وما بعدها ظل شكل الجرافيتي جزءًا لا يتجزأ من تجربته الفنية. كانت تجربة محررة ومُنعشة: شعر وكأنه اكتشف عالمًا سريًا تحت السطح، ومن أجمل ذكرياته المبكرة أن يجد زوايا هادئة يذهب إليها مع أصدقائه للرسم في سنّ المراهقة، بحسب لوفاتو.

ابتداءً من الثامنة عشرة، تعقّدت حساسيته الفنية بشكل واضح. بدأت الشخصيات تدخل إلى لوحاته جنبًا إلى جنب مع مناظِر طبيعيّة وكتل لون مكتومة — كثيرًا ما كانت هذه الألوان مستخرجة من علب طلاء “أوبس” المهجورة في متاجر الأدوات المحلية. كانت تلك الشخصيات في أعماله على الورق وسيلة للتعبير عن اهتمامه بالمواضيع الهامشية والرموز والتاريخ الباطني. لم تتبلور بعد لغة لونية راقية تمامًا؛ فما يظهر في تلك الرسومات هو لوفاتو الرسّام: الخط هو المسيطر مع بعض بَدنَات لونية خشنة. رموز الكيمياء القديمة وشخصيات شمانية مسحورة تُلمّح إلى الغوص العميق في «العالم الساكن» الذي بات يطغى على ممارسته اليوم.

«فني دومًا حاول أن يصوّر العالم الروحي وهو يتسرب إلى العالم المادي. عالمان يتداخلان ويتفاعلان مع بعضهما.» — تصريح ينبض بإيمانٍ بأن الطبائع الروحية والفعلية ليست منفصلة.

مع انتقائه للمشاهد الطبيعية، تآلفت ثيمات تلك الرسومات الوليدة إلى شيءٍ أكثر نضجًا. الأشجار والحقول التي كانت في السابق إعدادًا بدائيًا أو مجرد تلميحات، بدأت تزيح الشخصيات الشمانية وتخوض تفاعلًا حيويًا مع كتل اللون. تلاشى السرد الكوميك-بوك الذي ركّز على السحرة وذوي البصيرة الثانية، بينما صار عمله تحقيقًا أعمق في التوازن الدقيق بين النظام والفوضى الذي يشكل الواقع.

عندما ينظر إلى أعماله يرى العالم الأثيري كركيزة أو شبكة أساس، فالنمط في الطبيعة يبدو له وكأن العالم ينمو من تلك الكماليات الروحية إلى المادة. هو يحاول التقاط شظية من تلك التعقيدات والغرابة الطاغية في أعماله بحيث تبدو كلمحةٍ من سرّ أعظم.

يقرأ  «خنافس البحر» تحصد الجائزة الكبرى في مسابقة مصوّر المحيط لعام 2025 — كولوسال

محاولاته الأولى في المزاج الطبيعي المهلوس كانت بدائية بعض الشيء؛ اختفت صفات الرسوم الكرتونية البدائية مع اقترابه من حقيقة ونقاء المشهد الطبيعي. في حضن الطبيعة وجد راحته، ومع اندماج المشاهد مع محيطه الشخصي صار العمل أكثر حميمية، يطالب بسرديته الخاصة.

امزج قصته الشخصية مع التنويعات اللامتناهية في الطبيعة فتغمره الامتنان. بدمج هذه الحكايات الشخصية-العالمية مع ما هو مقدّر أو مكتوب (wyrd)، تعبّر تناسُجاته غير القابلة للفهم، لدى لوفاتو، عن أفكار متعالية لا يمكن حصرها بثياب الكلام البشري البالية.

«هذه اللوحات تحاول أن تُشعّ نوعًا من الخير إلى العالم. الفن عمومًا فرصة للهرب إلى واقع آخر. هناك تجارب روحانية وعالمية حقيقية تنتظر من يخوض بضعة أيام في البرية — إنها تجربة حسية، وأرغب في أن أجلب تلك البديهيات إلى أعمالي عبر المناظر الطبيعية.»

تمتد عملية بناء تلك المناظر المتمركزة على التكرير من الطبيعة نفسها؛ المشاهد الخشبية التي تشكل تركيباته مُستمدة إلى حد كبير من ما وجده خلال سفره في أنحاء أمريكا الشمالية. أي أفق يدهشه بغرابته يتحول إلى مادة خام لرسم مستقبلي.

في الآونة الأخيرة، باتت تلك المناطق الملهمة تقع خارج بابه مباشرة. يعيش لوفاتو مع خطيبته على قطعتي أرض صغيرتين في منطقة خشبية منعزلة وغير مُدرجة إداريًا بغرب ولاية واشنطن. الريح تغنّي بين الأشجار والطيور ترنّم حولهما؛ الحياة حيوية، والوحدة تُسهل عليه التركيز على عمله.

«أنا عادة لا أرسم منظرًا طبيعيًا ما لم أكن قد زُرته بنفسي لألتقط مراجع، ولأعيش التجربة كاملة…» يقول إنه يحبّ أمريكا وتنوّع أراضيها — لا يمل من ثراء البلاد وتنوعها.

عندما يقرر موضوعًا معينًا يبدأ العمل بدقة متأنية. الوسائط التي يستخدمها تقليدية إلى حدّ كبير — أكريليك على قماش أو كتان أو خشب بحسب التأثير المرغوب. أما الرسومات فتبقى بأقلام Micron Sepia وورق Stonehenge.

يقرأ  معرض أتلانتا للفنون يعود في نسخته الثانية إلى مجمع بولمان ياردز

تُغطّى اللوحة الابتدائيّة بالقناع اللاصق، ثم يُنقَش نمط في القناع ويُزال نصفه. يُغَطّى الجزء المكشوف من اللوحة بما يراه مناسبًا، وعندما يكتمل هذا الجزء يُزال النصف الآخر من القناع لتكتمل التكوينات.

يوصف لوفاتو هذه الآلية بأنها خلق «اهتزاز كروماتيكي عبر تنافر الصور المتضادة». اللوحات المتمايزة والمتضادة على لوحة واحدة تُناغم لتصبح كيانًا واحدًا متماسكًا؛ الألوان — برأيه — تهتز بصريًا كما لو أنها موجتا صوت تخرِجان نمط تداخل. اختلافاتهما توحّدهما، ويتلاشى أي أثر للشتات ليَبقى توافقٌ مُقَدَّس؛ تتحوّل من صراع إلى وجودٍ محض.

ويقول: «عملية الشغل على قطعة ورؤية جهد كبير يتبلور هي مكافأة في حد ذاتها. هذا العمل يتطلب الكثير من العزلة، وهذا مقبول لأنني أميل إلى نوع من الانعزال، أو على الأقل أجد متعة في كل تلك الوحدة.»

أضف تعليق