تسليم تمثال برونزي عمره ألفاي سنة إلى تركيا
قدّم تاجر آثار مقيم في ولاية كاليفورنيا إلى نيّابي نيويورك تمثالاً برونزياً يعود تاريخه إلى نحو ألفي عام يُصوّر إمبراطوراً رومانيّاً — يُعرف باسم «الإمبراطور العارِ» — ويعتقد أنه نُهب من موقع أثرٍي في تركيا.
آرون مندلسون، البالغ من العمر 74 عاماً، فاعل خير في سانتا مونيكا ومستثمر سابق في تقنيات الطب، اشترى الجذع البرونزي المقطوع الرأس من صالة عرض نيويوركية اندثرت في 2007. وتقول نيابة مانهاتن إنّ هذا القطعة كانت واحدةً من ما لا يقل عن 13 تمثالاً ضخماً نُهِبَت في أواخر ستينيات القرن العشرين من ضريح روماني في المدينة القديمة بوبون الواقعة في تركيا الحالية.
كجزء من اتفاقٍ أودع في محكمة جنائية بنيويورك، تنازل مندلسون عن كلّ حقوقه في «الإمبراطور العارِ». ولم يُلزَم الاتفاق بالاعتراف بارتكاب أيّة مخالفة؛ بل أكّد أنه، رغم دفعه تكاليف شحن التمثال إلى مانهاتن، فقد تواصَل مع خبراء آثار بحسن نية للتحقق من أصله. وبالمقابل، وافق المدّعون على سحب مذكرة التوقيف ضده شريطة التزامه بكلّ بنود الاتفاق لمدة سنة كاملة.
التِمثال، الذي تقدر قيمته بنحو 1.33 مليون دولار، سُلِّم إلى تركيا في مراسم استرداد جرت يوم الاثنين في مانهاتن، إلى جانب عشرات القطع الأخرى. وشمل التسليم رأساً رخامياً بقيمة نحو 800 ألف دولار منسوباً إلى الخطيب اليوناني دموسثينس، والذي صُودِر في سبتمبر من متحف المتروبوليتان في نيويورك — المتحفف المتروبوليتان الذي تعود سجلات ملكية هذه القطعة فيه إلى عام 1973 فقط، مع تسجيل انتقالها بين مالكين عدة قبل دخولها إلى مجموعات المتحف عام 2012 كهدية من جامع مقتنيات.
اتهم المحقّقون صالتين عرض نيويوركيتين بتزوير سجلات المنشأ لإخفاء تاريخ نهب هذه القطعة؛ وتواجه إحدى تلك الصالات، «فورتونا فاين آرتس»، تهم احتيال فيدرالية بحسب بيان مكتب المدّعي العام. ولم ترد الصالة على طلبات التعليق.
قال المتحف إنّ «معلومات جديدة برزت أظهرت بوضوح أن العمل يعود أصلاً لتركيا». وأضاف المتحف أنّه أطلق عدداً من عمليات إعادة القطع في السنوات الأخيرة، وأنّ فريق بحوث المنشأ لديه — الذي أصبح الأكبر بين متاحف العالم — يواصل مراجعة صارمة لمجموعته بالتعاون مع خبراء داخل المتحف وخارجه، بما في ذلك مكتب المدّعي العام الذي غالباً ما يمتلك معلومات لا يمكن للمتحف الوصول إليها بمفرده.
كان موقع بوبون في تركيا موطناً لضريح إمبراطوري مشهور (سيبستيوم) حيث نُصِبت تماثيل إمبراطورية بين القرنين الأول والثالث الميلاديين (حوالي 50–250 م)، في حقبة كان الإقليم فيها جزءاً من الإمبراطورية الرومانية. وبدأ نهب الموقع في ستينيات القرن الماضي، وتمّ تهريب القطع عبر شبكة من المهربين ومزوّري سجلات المنشأ وتجار الآثار الذين تغاضوا عن طرق التنقيب غير المشروعة. وتقول التحقيقات إن ثمانية تماثيل ضخمة وشظايا من بوبون وصلت إلى الولايات المتحدة؛ ومنذ انطلاق تحقيقه متعدد السنوات، أعلن قسم مكافحة تهريب الآثار في نيابة مانهاتن استعادة وإعادة ستة من تلك التماثيل، من بينها «الإمبراطور العارِ».
تشير أوراق المحكمة إلى أن الآثار تمّت المتاجرة بها عبر السوق السوداء من تركيا إلى لندن ثم إلى نيويورك حيث بيعت في نهاية المطاف. وتفصّل الوثائق كيف أنّ شبكة من التجار والأمناء والمهنيين ذوي الصلة روّجت لهذه القطع عبر عرضها في معارض وكتالوجات، ممّا أسهم في إضفاء مظاهر شرعية رقيقة على منشأها.
وخلصت الأوراق إلى أنّ «من خلال هذا الخداع الماكر، دخلت البرونزيات والمشقّات المنهوبة من بوبون، بما في ذلك «الإمبراطور العارِ»، إلى متاحف ومجموعات أميركية بغلافٍ رقيق من الشرعية، ما زاد من قيمتها في سوق الآثار».
قالت زينب بوز، مسؤولة تركية ومتخصّصة في الآثار، يوم الاثنين إن البرونزيات المستردة من بوبون ستُعرض معاً في جناحٍ جديد يروي قصة تنقيبها وتهريبها وإعادتها. وصرّح جوخان يازجي، نائب وزير الثقافة والسياحة التركي، بأنّ عمليات الاسترداد هذه تشكل تحذيراً واضحاً: «لا تشترِ الممتلكات الثقافية المخرّبة أو المخرّجة من بلدها بطرق غير قانونية».