أغمض عينيك. مخلوق يزحف عبر الغابة عند الفجر، تلتصق به قطرات الندى وكأنها جواهر على جلده. من كُتلة نبات رطبة يطل أذنٌ وحيدة. ينسكب اللعاب برفق على التراب الرطب، وتتصاعد رائحة التربة المستيقظة ببطء. هذا المخلوق هو أنت — صورتك المزدوجة، ثلاثية الأوجه، كل الشخصيات التي دفنتها. يراقبونك من خارجك ومن داخلك. أسير على هذا الكوكب، وأكثر أسير في عقلك؛ الشوك يخدش جلدك. تهرب لتفلت — من ماذا؟ من الأشكال الجالسة على كتفيك. ثم تدرك أن يداً تمسك بالملاية التي تمنعك من السير الى الأمام.
يصنع بليك دانيلز مسرحًا من الشخصيات التي هي في آنٍ معاً شخصيات ورموز، تسكن مناظر تهيمن عليها ألوان الرماد وأوكر البني، بنفحاتها المسحوقة والملموسة. ضباب خفيف يغلف المشاهد ويمنحها مسحة جسدية ومريضة في آنٍ واحد، يستحضر حنينًا بريًا لا يقاوم.
البحث والحوار مع تاريخ الفن محوريان في ممارسة دانيلز؛ يعيد ويعيد تشكيل تقنيات أساتذة الرسم العظام. تمتد بعض الأجسام في مدّ يذكر بإل غريكو، بينما تحفّ الخطوط السوداء الرقيقة حول أجسام أخرى بمانيه. استخدام تدرجات كانجيانتي اللونية يمنح مشاهد تبدو تافهة هالةً قدسية، فيسقط ضوء خارق على العادي.
الرسوم المتراكبة، والشذرات، ولحظات المشهد التي تقتلع نفسها خارج إطار اللوحة المكتملة توحي بسردٍ تتداخل فيه وجوه الغرباء والأحباء والقديسين.
وأخيرًا، هناك اللوحة ذاتها.
على شواطئ أوهايو، موطنه بين البحيرات والمشحون بالأسرار والأساطير، ينبعث طيف من الشخصيات المرهفة والمواقف الغريبة — أحيانًا ذاتية السيرة، وأحيانًا مستمدة من خبر أو حكاية. تتمازج كل العناصر: الجسد والمنظر، تحوّل العناصر الطبيعية ودورات الحياة نفسها. يحدث تحول مشترك حيث تندمج الطبيعة والإنسان في مخلوقات، في خيمرات. تنشأ سيولة في الجنس والهوية، تمحو التصنيفات البسيطة وتستحضر «الآخر-أنا»، تلك الغيرية التي تسمح بالاكتشاف الذاتي والتخفي معًا. يقفز كائن ملائكِيّ بشعرٍ كستنائي طويل ممسوك بالريح إلى جانب تمثال سانت سبستيان المثقوب. في البعد، تستحضر ظلّان آدم وحواء تائهين في منظرٍ خاوٍ. عبثية الإنسان تتخذ رونقًا ساميًا: يلعب أمام الموت، يلعب مع الموت، يلعب مع الفناء ذاته.
في أعمال دانيلز تتحول الأجسام إلى علامات ودلائل، توجه الناظر إلى مكان آخر تتلاشى فيه نقاط المرجع المألوفة. هم متحوّلون، واعون بتحولهم، يعكسون منهج الفنان: تبدو كل لوحة كأنها تحمل في بطنها قبل الظهور، تبرز عبر انفجارات من البرتقالي والبنفسجي، عبر طبقات رخاميّة تشبه الجروح أو شظايا اللحم. تتحدث لوحات بليك دانيلز عن الدورية، والتكاثر البكر، والالتقام الذاتي، عن البدايات والنهايات. — كاميل فراسكا