حيث تستقرّ ذاكرة الأمة في لفيف

لفيف كانت منذ 2014 ملاذًا ومركز استقبال لأبناء أوكرانيا الفارين من هجمات وقسوة القوات الروسية، واحتضنت مشاريع إنسانية معروفة مثل Superhumans وUnbroken التي تقدم إعادة تأهيل ودعمًا وعلاجًا امتداديًا وبروستاتيكٍات للضحايا الحربيين. رغم أنها لم تتعرّض لحجم وهول الهجمات الروسية كما جرت في مناطق الشرق، إلا أنها بعيدة كل البعد عن مناعة تامة أمام ويلات الحرب؛ المدينة العريقة المفضّلة بالكاتدرائيات والتي تعود جذورها إلى القرن الثالث عشر تعرّضت لاعتداءات جوية، من بينها هجوم حديث أودى بحياة مدني واحد وأصاب آخرين في 21 أغسطس، بعد وقت يسير من مغادرتي لها.

زرت هناك «دائرة التأتأة»؛ عمل مميز ضمن «فاكتورا 10» — سلسلة أعمال ومعارض وحفلات وعروض أفلام وندوات امتدت سنة كاملة، معظمها في أوكرانيا مع فعليتين في نيويورك. مارتا كوزما، كبيرة أمناء المعرض ومديرته، أمريكية من أسرة مهاجرة أوكرانية، كانت شخصية محورية في المشهد الفني الأوكراني بعد الاستقلال في التسعينيات؛ والآن هي عادت إلى وطنها بمفهوم ما. عنوان المعرض، الذي تقام عروضه في مركز جيم فكتوري الفني وفي فضاءات أخرى، يستدعي الشاعر الروماني-اليهودي والناجين من المحرقة بول سيلان، ولا سيما سعيه إلى صياغة لغة وفن بالألمانية قادرة على البقاء والإزهار وسط الصدمات والحرب.

بما يدهل، عدد قليل من الأعمال في المعرض يتناول الحرب الراهنة بصورة مباشرة؛ كثير منها أنجز قبل سنوات أو في أماكن بعيدة عن أوكرانيا. ومع ذلك، كل القطع تحيل إلى الحرب بصورة ميلِّية أو ضمنية، مجدولة داخل سياق المقاومة والصمود والإنسانية الأساسية.

في سلسلة بوريس ميخايلوڤ «هياكل الجنون» 2011–2012، يلتقط المصور الأوكراني تكوّنات صخرية قاسية وكهوفًا وسطوحًا جبلية. علامات جيولوجية توحي بأشكال بشرية حيوية، أحيانًا إيروسية وأحيانًا فانتازية، وتشرحها رسوم الفنان الملاصقة — مزج الطبيعة بالبشر. ميخايلوڤ من خاركيف، المدينة التي تتعرّض الآن لهجمات يومية ليلية ونهارية؛ سيرته البصرية تكتسب، في سياق الحرب، دلالات جديدة صارخة تشمل التعلّق الشديد بالتراب والوطن.

يقرأ  ريك بيكر يواجه الموت والوحوش في أول معرض فني مُنفرد

تتواصل ظلال هذه الأشكال مع لوحات الفنانة الأمريكية ر. هـ. كويتمان في سلسلة «مواضيع حديثة، الفصل صفر» (2021)، التي استلهمت جزئيًا أعمالًا تناولت قضايا اجتماعية مستعجلة للفنان البلجيكي في القرن التاسع عشر أنطوان ويرتز: جسد مقلوب بلا رأس، يتيم وحيد صغير، انتحار بمسدس — مشاهد تعود بتردادها إلى أوكرانيا المعاصرة.

تقدم يانا كونونوفا تصويرًا أبيض وأسود كبير الحجم، ممتلئًا لكنه مريب، لمفجرات طينية وساحات صخرية في أذربيجان المنتجة للنفط، سابقًا جزء من الاتحاد السوفييتي. تقترن هذه الصور بـ«أراضي حارقة» (2025): إعادة طبع لصور أرشيفية تُظهر رفعات نفطية وبنى تحتية من أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. كان الروس طرفًا محوريًا في تطور صناعة البترول في أذربيجان؛ واليوم يزوّد النفط والغاز اقتصاد الحرب الروسية — أرباح النفط تساوي موتًا للأوكرانيين. تبحث دول عديدة عن أذربيجان بديلاً عن النفط الروسي. ولدت كونونوفا في جزيرة بيرالاهي وهاجرت مع أسرتها إلى أوكرانيا أثناء الحرب الأولى في ناغورنو-كاراباخ (1988–1994)، في سياق اعتداءات متواصلة على المجتمعات الأرمينية والتراث الثقافي؛ وهي الآن تعيش حربًا ثانية. عبر تراكب الزمن الجيولوجي والبشري، تربط مناظُرها البدائية بين الوقود الأحفوري والاحترار العالمي والحرب، وتكشف كيف أن موارد الأرض قد تتحوّل إلى آليات تدمير.

تتدفق المراسلات المفاهيمية والبصرية والمادية عبر هذا المعرض المُنظّم بحسّ رقيق. دوّدت دوة دوة؟ (typo) عنصر واحد منبسط ومميّز: زهرة عباد الشمس البارزة في لقطة الشارع الياباني نوبويشي أراكي «طوكيو يوم جميل» (1993/2025) تبدو مناسبة إلى حدّ بعيد هنا؛ فالعباد الشمس رمز أوكرانيا. أعمال وليد رعد الحبرية تبتكر أشكالًا هندسية تشبه الأزهار، وأحيانًا عباد الشمس، كما في سلسلة «الملحق 153» ضمن «مجموعة الأطلس» (1989–2004) التي أرشت قصصًا ومصنّفات متخيلة عن الحرب الأهلية اللبنانية.

يقرأ  خطر سقوط رئيس وزراء فرنسي آخرمزيد من عدم الاستقرار السياسي يلوح في الأفق

في قصة رعد المصاحبة — الوهمية بوعي لكنها تبدو قابلة للتصديق — يدّعي أن هذه الطبعات صور التقطتها الفنانة الفلسطينية السوفييت ية سورى… (typo) سها طربولسي في أواخر خمسينيات القرن العشرين لأعمالها الخاصة؛ ويدّعي أن كثيرًا من مؤرخي الفن العرب وصفوها بأنها سابقة للفن البصري، بينما كانت في الواقع تستند إلى انفجارات قذائف أثناء السبعينات في بيروت المنكوبة. تُرفَق بصورة صغيرة لكل طبعة تُظهر انفجارًا. قصته، الماكرة والمخيّلة والراسخة، تجد طريقة جديدة لتحويل الحرب إلى جمال، والرعب إلى فن، من دون تنقيح أو تلطيف وحشية الأحداث.

تستكشف صور جولي بولي (2025) حياة «الأوكرزلِزنتسيا» — شبكة السكك الحديدية الوطنية التي تشتهر بالكفاءة والكرم — وتلتقط مشاهد يومية: جندية في زي تعب متكورة نائمة في عربة نام بجانب كلبها الأسود؛ امرأة مبتسمة تحيط بها كلاب رقيقات وكؤوس جوائز؛ جندي عاري الصدر مغطّى بالوشم راكع، كأنه في تأمل أو صلاة؛ أطفال مع ألعابهم؛ عربة قطار تحوّلت إلى مستشفى مؤقت؛ مفتشات ومفتشون مجتهدون في عملهم. الإنسانية في تلك الصور — الفرح، الحب، الحزن، الصمود، الحنان — تتباين بشكل صارخ مع غدر الحرب الروسية. شابة مستلقية على ظهرها تنظر بهدوء إلى الكاميرا؛ هي تجسيد لإرهاق الأمة وعزيمتها.

وفي فضاء «البيت 42» نُصِب تركيب تشاركي من تصميم المخرجة المسرحية جانينا بيدان والفنانة آنا-ماريا كوتشيرينكو، يحتفي برموز وعلامات وزخارف فريدة أوكرانية تعود لقرون مضت، ردًا على سعي فلاديمير بوتين إلى إنكار ومحو الهوية الاوكرانية. في مختبر “جام فاكتوري” يعرض فيلم لمايرا ديفي تركّز روايته البصرية على أربعة فنّانين من الشتات: الشاعر بول سيلان؛ المصوّر بيتر هوجار الذي نشأ برعاية جدّيْه الأوكرانيّين؛ المخرجة المولودة في كييف مايا ديرن التي نزحت عائلتها هربًا من موجات العنف المعادية لليهود في عشرينيات القرن الماضي؛ والكاتبة البرازيلية كلاريس ليسبيكتور التي فرّت عائلتها أيضًا من غرب أوكرانيا خلال تلك المذابح.

يقرأ  شوبمان غيل يخلف روهيت شارما ويتولى قيادة منتخب الهند في مباريات الكريكيت الدولية لليوم الواحد

حوّل المخرج الأوكراني أوليكسي رادينسكي، بالتعاون مع الباحث فيليب جولّ، تسجيلات سينمائية حديثة الاكتشاف التقطها فريق مخرجيْن أوكرانييْن في سيبيريا خلال ثمانينيات القرن العشرين إلى شريط فيديو أحادي القناة استثنائي بعنوان «حيث تنتهي روسيا» (2024). بصوت السرد الذي تؤديه المخرجة ليوبا كنوروزوك، يكشف العمل عن القسوة والجشع والعنصريّة التي قامت عليها خضوع واستغلال الشعوب الأصلية — لا سيّما البوريات — في ظل الإمبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفياتي، مصحوبًا بآثار بيئية هائلة. الضمني في العمل أنّ ما يُسمّى «العملية العسكريّة الخاصة» لبوين، التي تؤثر أيضًا في مجتمعات السكان الأصليين داخل الوطن، ما هو إلا تكرارٌ لهذا التاريخ؛ حرب استعمارية روسية أخرى بعواقب مدمّرة، من بينها إتلاف النظام البيئي.

الفيديو السّاحر لديفي «أربعة» [чотири] (2025)، الذي كُلّف خصيصًا لهذه المعرض، يجمع مشاهد لأشخاص متعدّدين يلعبون ويرقصون ويتأمّلون ويتدرّبون في منتزه ريفرسايد بمدينة مانهاتن مع قراءة نصٍ مؤثّر عن الفنانين، تقرأه ديفي بالإنجليزية وكنوروزوك بالأوكرانية. تشتمل مشاهد نيويورك على رموز ثقافية أوكرانية — تسريحات الشعر والرقص والزهور والموسيقى — لتؤكّد امتدادات الانتماء والحنين عبر المسافات والزمن.

قريبًا من هذا الفيديو المؤثر تتدلّى طبعتان نحتيّتان سخرّيتان لفرانسيسكو غويا (1815–1817) تُظهران شخصيات مفعمة بالحركة: إحداهما للنساء والأخرى للرجال. غويا، الذي اختبر ويلات الحرب، يضيف ثِقَلًا تاريخيًّا لهذا العرض المتميّز، الذي لا تزال آلامه وأحلامه تتردّد صداها قرناً بعد قرنين.

تتضمن الرؤية التركيبية أيضًا أعمالًا مرئية أخرى، من بينها «طوكيو فاين داي» لنوبويوشي أراكي (1993/2025) وسلسلة بروس ميخايلوف «أربعة» (1982–83/2025). تستمرّ فعالية «دائرة التأتأة» في مواقع عدّة عبر مدينة لفيف الأوكرانية حتى الثاني من نوفمبر، وقد أشرفت على تنسيق المعرض المرشدة مارتا كوزما.

أضف تعليق