بكين — زرت استوديو شين وانغ لأول مرة في يوليو 2023 ومنذ ذلك الحين أعود إليه بمعدل لا يقل عن مرة في السنة. خلال زيارتي الأولى تحدثنا عن ما أصفه بـ«لحظتها البروستية»: حين عادت إلى مسقط رأسها في غويلين، المدينة الواقعة في جنوب الصين قرب الحدود مع فيتنام، لتعتني بأبيها المريض بشدّة. قضت قرابة العام مغمورةً في منظر طبيعي درامي من تكوينات كارستية من الحجر الجيري، جبال مخروطية مشهورة، وأنهار وبحيرات متعرِّجة، وهي تراقب تدهور حالة والدها، وفي الوقت نفسه تستحضر قصص الأشباح والحكايات واللعب التي كانت ترافق طفولتها. من الألعاب التي حدَّثَتني عنها كانت لعبة سمّتها «إعادة التركيب». كانت تتلخص في:
تجميع رأس جرادة سقطت من شجرة صيفية مع جسد جرادة أخرى، أو دمج أجساد حيوانات متحللة في العشب البري مع حجارة معدنية. أبدِّل برأتي جميع «الرؤوس» التي تقع في مرمى بصري، وأركِّب مواد تبدو غير ذات صلة: سيقان حيوانات، أجساد بشرية، نباتات، أصابع، تجاويف، بيوت، نقاط خضراء حلزونية — مذيباً الحواجز بين التجريدي والمجازي، الطيفي والمادي.
هذا الدوران الحتمي للتحلل والتجدد صار المسار الذي اتخذته أعمالها. ما رأيته في زياراتي الأولى أقلقني وأثار فضولي في آن واحد — لم يُشبه أي فن آخر شاهدته في الصين، لا سيما في استدعائه لرغبات نشْووية. رسوماتها الباستيلية بأخضارٍ مشعة وبياض فسفوريّ على خلفية سوداء تستحضر عالماً شبيهاً بالاحتفالات الصاخبة؛ صورها تضُم جماجم، نساء راقصات، مصلين هيّاجين، إلهات وعشّاقاً يتمنون أن يعيشوا خارج القانون والآداب، أن يحيا جسدياً على حافة الفوضى.
رؤيتها تجمع بين المدينة واللاسلطوية، بين الإيحائي والتفكك، تتفتح بالحياة وتبيت في طيفٍ من الشبحية. ولكن أكثر من ثنائياتٍ أخرى، تبدو أعمالها مُهدِّدةً لأنها تتحدّى المتلقي كي يعيد التفكير في الموت والأخلاق، وفي الرغبة أن نعيش خارج قواعد الآداب المرسومة. في سلسلةٍ من الأعمال بعنوان «الغابة» ترسم منطقة حالمة من نمو بريّ وطقس متطرِّف، تردُّداتٌ تعود إلى طفولتها في قويلين. هذه السلسلة، البرية بلا قيود، تشترك في شيء مع «الكوميديا الإلهية» لدانتي، و«زواج الجحيم والسماء» لويليام بليك، والخيال العلمي، والخيال المتساهل، لكنها تتخذ منظوراً مؤنَّثاً: إلهات تسكن عالمها بدل الآلهة. كأنها تجتاز تجاويف الجسد الداخلية وفجوات الفضاء بين النجوم، وتربط بينهما؛ دوائر النقاط الخضراء لديها خلايا ونجوم في آن، مستدعية ملاحظة كارل ساجان الشهيرة: «الكون داخلنا. نحن مكوَّنون من مادة النجوم. نحن وسيلة للكون كي يعرف نفسه».
في 2024 توليت تنسيق معرضها الفردي «في المغارة المظلمة» في متحف كارلوفي فاري في التشيك. في نصي للمُعرَّف ركزت على زواج مادّة الباستيل البوديرية مع صورٍ مثيرة للقلق؛ مقاومة العمل لأن يُحاط بلغة هي إحدى نقاط قوته الأساسية. من الصعب جداً أن نحدّد بدقة ما نراه أمامنا.
أثناء زيارتي الأخيرة لاستوديو وانغ في مايو الماضي رأيت نسخة من كتاب خافيير ريغويرو الإرشادي «آياهواسكا: دواء الروح في غابات الأمازون» على رفّ كتبها، كما اكتشفت أنها شاركت في 2015 في طقس آياهواسكا في إيكيطوس، بيرو. هذا أكد لي ما كان يساورني منذ الزيارة الأولى: أنها فنانة رؤيوية صهرت خبرة شخصية وعائلية، ذاكرات الطفولة، ووعي بالممات، وشره جنسي في عالم مظلم ومتحرِّرٍ وهلوسي.
في رسالة إلكترونية تبادلناها في أكتوبر كتبت وانغ:
في حوالي 2023 كانت عمليتي لا تزال تقوم على تكبير رسوماتي إلى سلب أفلام ودمجها مع اللوحة الزيتية عبر شبكة ساندة بطبقةٍ واحدة من السلك سكرين. لكن بحلول 2025 تغيّر شيء جذري — بدأت أعمل بمقاييس أكبر وأرسم مباشرةً على الفيلم، ومثل ماتيس، أقطّع وأجَمِّع شظايا الصور كأنني أقيم طقساً يدعو نوعاً جديداً إلى الوجود. هذه الأشكال الجديدة تتقاطع مع الصور والرموز التي كنت قد خلقتها سابقاً — كحروف في أبجدية — وتستمر في النمو على السطح. أستمر في طلاء طبقات من الزيت أو أصباغ معدنية على القماش، أسمح للأشكال بأن تتطور وتتبدل. كثيراً ما أتساءل من أو ما الذي يبعث هذه المعلومات. ثَمَّ لحظات تتوائم فيها الأشياء فجأة، وتصل الصورة بقوّة، كما لو دُعيت، كما لو أني الشامان؛ كاهنة وكاهن معاً.
الطفلة التي كانت تلعب «إعادة التركيب» تحوَّلت إلى شامنة قادرة على نقل المشاهد إلى العالم الخيالي الذي تسكنه — عالم دائم التبدّل.
خلال زياراتي شبه اليومية لاستوديو وانغ طيلة أسبوعين أمضيتُهما في بكين، بينما كانت تستعد لأعمال معرضها «أبناء محاربون عشّاق» في شانغه آرت في شنغهاي (في نوفمبر–ديسمبر)، شاهدتها تعمل على رسم، تنقله إلى سلك سكرين، تعيد صقله وتكبّره وتحوّله أكثر فأكثر. لم أكن أعرف أبداً ما الذي ستفعله تالياً. قطعة مؤلفة من عدة صفائح فيلم وورق بدَت وكأنها تُصوِّر شخصين يندمجان في جسد واحد. في أخرى بدأت برسم مقلق لشخص عارٍ بلا ملامح في وضعية انحناء خلفية مدعوم بالأطراف؛ بين ساقيه ما قد يكون قضيباً محبوساً أو جهاز علاقة جنسية اصطناعي. آلة دائرية ذات أعمدة أمام الشكل أضافت طبقة من الغموض. على مدى الأيام التالية استمرت في الإضافة والحذف والتعديل والتكبير، بينما تصنع أعمالاً أخرى. نقَلت الصورة إلى سلك سكرين؛ وبعد أيام قليلة ارتفعت عائمة في سحابة سوداء من غبار كوني، ككوكبةٍ جديدة.
وانغ فنانة ذات طموحٍ إنساني عظيم. هي تتخيّل الكون داخل مادتها، الرصاص والحبر، وتسعى لأن ترى ما وراء النجوم.