توفي كين جاكوبس، المخرج التجريبي البارز الذي ترك بصمته على كلٍّ من السينما والفن، في نيويورك يوم الأحد عن عمر يناهز 92 عاماً. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن نجله المخرج عزازيل جاكوبس أنّ سبب الوفاة كان فشلاً كلوياً.
انتمى جاكوبس، جنباً الى جنب مع جاك سميث ويوناس ميكاس، إلى المشهد السري لمدينة نيويورك في حقبة ما بعد الحرب، وكان من الأصوات المحورية فيه. دأب على اختبار حدود ما يمكن أن تكونه الصورة المتحركة، مؤكداً أنّ الفيلم لا يختزل في مجرد إسقاط صور على شاشة.
يُعدّ فيلمه القصير Blonde Cobra (1963) من أبرز أعماله المبكرة؛ فقد استلزم عرضه في بعض العروض تشغيل راديو حي بالتزامن مع المقاطع المصورة. ارتكز العمل على أداء جاك سميث وافتقاره إلى حبكة تقليدية؛ وصفه جاكوبس بأنه «لمحة في حياة منتفخة، عن إنسان مبدع يعاني حرماناً شائعاً في الجانب الأسفل الشرقي ويغوص في استياءات أميركية من عقود الثلاثينات إلى الخمسينات». أثار الفيلم جدلاً حادّاً لأناهٍ تمسّ مواضيع حسّاسة، بما في ذلك إشارات إلى الميتوفيلية وإيحاءات جنسية تتعلّق بالأطفال، لكنه في الوقت نفسه ألهم صانعي أفلام آخرين للتخلي عن السرد التقليدي.
يُعتبر عمله الكلاسيكي Tom, Tom, the Piper’s Son (1969) مثالاً صارخاً على اهتمامه بالشكل؛ فقد اقتبس مقطعاً من فيلم لـ D.W. Griffith، فبطبّئه إيقاعه وأوقفه وكرَّره وعرَضه في حالته القائمة، ليصبح تلاعبه بالمادة نفسها بمثابة أداء قائم بذاته، كما لاحظ الباحث P. Adams Sitney. هذا العمل بات من أيقونات ما عُرف بـ«الهيكلية»، التي يستعين فيها المخرجون بتقنيات التكرار والوميض لفت الانتباه إلى خصوصيات الوسيط السينمائي.
على الرغم من موقعه المركزي في تاريخ الفيلم التجريبي، ظل جاكوبس إلى حدّ ما هامشياً ضمن كتابات تاريخ الفن في الستينيات، رغم أنّه كثيراً ما ربط أفلامه بفنون الرسم. درس الرسم مع هانس هوفمان، الفنان المَعبّر التجريدي، وسمّى أعماله السينمائية في أكثر من مناسبة «السينما التعبيرية الابداعية».
وفي بعض المناسبات جعل هذا الوصف حرفياً: ضمن سلسلة «الأبدانيات» (Eternalisms) في 2018، صوّر أعمال جوان ميتشيل التجريدية مستخدماً كاميرا ستيريو ثلاثية الأبعاد لإضفاء إحساس بالنبض والحركة على اللوحات.
عن شراكته الطويلة مع زوجته المتعاونة معه فلورنس قال جاكوبس ذات مرة: «عندما أتحدّث عن عمل فلورنس وأنا معاً في الفيلم، كان الأمر فعلاً كرسامين اثنين نرى ما يمكن تحقيقه في الفيلم. لم نكن نروي قصصاً بقدر ما كنا نرصد أشياء: رؤية الفضاء اللوني وهو يعمل، نشيطاً، ومتحركاً.»
وُلد كين جاكوبس عام 1933 في بروكلين. فقدت والدته، التي كانت فنانة وكاتبة، حياتها عندما كان في السابعة من عمره؛ أما والده فكان لاعباً سابقاً في دوري البيسبول الصغير. ولأن مدرسته الثانوية كانت توفّر تذاكر مجانية لمتحف الفن الحديث، تنقّل بين عروضه السينمائية كمراهق وتلقّى جزءاً كبيراً من تعليمه السينمائي هناك. أمضى عامين في الاحتياط لخفر السواحل بعد أن فشل طلبه بالحصول على صفة الممتنع الضميري أثناء حرب كوريا.
بعد دراسته مع هوفمان في خمسينيات القرن الماضي اتجه إلى الفيلم، قائلاً إن الرسم كان يُنظر إليه كسطحية لا توفر البُعد الذي يحتاجه، وأنه «بحاجة إلى عمل العينين معاً» للبحث عن العمق. كان أول أفلامه في 1955 بعنوان Orchard Street، الذي يوثّق شريطاً من شارعٍ يهودي تغيّر بفعل الحرب العالمية الثانية.
في السنوات الأخيرة كثُر عرض أفلام جاكوبس في متاحف نيويورك. في 2023 عرضت 80WSE التابع لجامعة نيويورك أفلامه في واجهة المعرض إلى جانب رسوماته النادرة الظهور، وفي العام ذاته استحوذ متحف الفن الحديث على 212 من أعماله، واصفاً إيّاه بأنه «أحد كبار فناني الصورة المتحركة في القرن العشرين والحادي والعشرين».
يُعرض عمله حالياً في متحف ويتني ضمن معرض “Sixties Surreal”، الذي يضم فيلمه الصغير Little Stabs at Happiness (1960)، حيث يظهر جاك سميث وهو يقفز داخل حوض الاستحمام ويخرج منه.
طوال مسيرته كان جاكوبس يؤكد أنّ أعماله ليست مجرد عبثٍ سيريالي، بل تحمل بُعداً سياسياً ملتفّاً، ويتجلّى ذلك بوضوح في فيلمه الطويل الذي امتدّ سبع ساعات Star‑Spangled to Death، الذي شرع به عام 1956 ويشكّل بمثابة تاريخٍ معاصر للاحتجاجات في الولايات المتحدة. ومع أن العامة لم تقرأ أعماله دائماً من هذا المنظور، فقد صرّح لصحيفة Brooklyn Rail: «أُقدّر الناس الذين يكرّسون وقتهم للمقاومة الآن، لكني أعمل على تجريدياتي.»