رحيل النحات الذي حدَّد معالم المينيمالية عن عمرٍ ناهز 88 عاماً

توفي في نيويورك يوم الأربعاء عن عمر ناهز ثمانية وثمانين عاماً النحات روبرت غروسفينور، الفنان الذي راقبت أعماله انزياحاتها نحو جماليات المينيمالية قبل أن تنفلت لتصوغ قطعاً لا تُصنف بسهولة. أكدت وفاة الفنان غاليري بولا كوبر من دون أن تُعلن سبباً.

برز غروسفينور في نيويورك خلال ستينيات القرن الماضي، حين عرض أعماله إلى جانب أسماء المينيماليست البارزة، ومن بينها المشاركة في معرض «الهياكل الأولية» في المتحف اليهودي عام 1966. لكن منحى أعماله في العقود اللاحقة ابتعد عن المينيمالية الصارمة، وإن بقيت قطعَه مقتصِدة في عناصرها ومستعملة للمواد الصناعية.

مقالات ذات صلة

تتنوع أشكال فنه وتفتن بأشكال مختلفة: أشكال فولاذية عملاقة تمتد من السقف وتخترق فضاءات صالات العرض الفارغة، وأعمدة خشبية ضخمة مشطوبة ومقسومة مدهونة بـ الكريزوت، وهي مادة تُستعمل عادةً لتقوية روابط السكك الحديدية، ومنحوتات تشبه السيارات بعجلاتها ومصابيحها لكنها توقِف المتلقي عن الاطمئنان لأن مظهرها تغيّر بشكل طفيف أو سطوحها بدت خشنة.

نادراً ما فسر الفنان أعماله بنفسه، تاركاً النقاد يتخبطون في محاولات فهمها. قضى الناقد جون ياو جزءاً كبيراً من مراجعة لعمل بدون عنوان (2020) يتألف من حوض ماء فوق غِشاء مطاطي محاط بمستطيل من كتل إسمنتية مكدسة، يتأمل كيف يتعامل المرء مع هذه القطعة. كتب ياو: «في بركة الماء التي تعكس السقف بدقة، صنع عملاً منفتحاً ومتسقاً مع العالم، في حين يفرح بهدوء في حالته المادية المتغيرة. يذكرنا بأن لا شيء يدوم إلى الأبد.»

كثير من أعماله حملت اسم «بدون عنوان»، واختياره عدم إطلاق مسميات تفسرية كان مقصوداً؛ «شعرت أنه أكثر اكتمالاً وبساطة — لا يربط الأعمال كثيراً ويتركها مفتوحة» قال ذلك في مقابلة مع مجلة Brooklyn Rail.

يقرأ  ماريا غاسبار: عن إلغاء السجون والمخاطر الجسيمة في العمل مع المجتمعات المسجونة — كولوسال

لم تكن غرابة فنه وسلوك مسيرته سبباً وحيداً في اجتذاب المعجبين؛ كتبت روبيرتا سميث في نيويورك تايمز واصفةً مساره: «روبرت غروسفينور ذئب وحيد في عالم النحت. في أواخر الستينيات كان قريباً جداً من المينيمالية، لكنه استبعد نفسه بتزايد ميوله للعمل بمواد خشنة، وبقطع معاد استخدامها وبيديه. منذ ذلك الحين انفتحت مسيرته على مفاجآت فريدة.»

نال سمعة معقولة في بداياته بظهوره في طبعتين من «دوكومنتا» المعرض التاريخي في كاسل بألمانيا، وبعرض أعماله لدى كبار الجامعين ومعارض مثل غاليري بولا كوبر وورجينيا دون. وفي السنوات الأخيرة استمر فنه في الظهور في أماكن غير اعتيادية؛ فقد أدرجت أعماله في بينالي فينيسيا 2022 تحت إشراف سيسيليا ألماني، حيث كان من بين أقدم المشاركين والحضور الذكور القلائل. توفي غروسفينور بعد أيام من افتتاح معرض استعراضي لأعماله في متحف فريدرشيانيوم في كاسل.

ولد روبرت غروسفينور في نيويورك عام 1937 ونشأ في نيوبورت، رود آيلاند، وأريزونا. في الخمسينيات غادر الولايات المتحدة ليدرس الفن في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، بعد أن شعر أنه «قد ملّ من المدارس الداخلية» في أمريكا كما قال ذات مرة. تلقى تعليماً كلاسيكياً وحُرّم في المدرسة من الاطلاع على فنانين مثل لوتشيو فونتانا وبييرو مانزوني، اللذين خرقا تقاليد الرسم والنحت في فترة ما بعد الحرب. «فجأة انجذبت إلى فونتانا ومانزوني. عادة لا أطيع ما يُقال لي أن أفعله» قال غروسفينور.

عاد إلى الولايات المتحدة عام 1959 بعد استدعائه للخدمة العسكرية، لكنه لم يخض القتال فعلياً، وتذكر أنه كان يمشي في شوارع نيويورك خلال تلك الفترة. وبين صفحات مجلات الفن اصطدم بمقال عن معرض للنحات مارك دي سيفيرو، فصار بينهما صداقة قادته إلى لقاء فنانين آخرين.

يقرأ  اللاوعي النسوي الأسود في سينما أوفوما إيسي

بدأ بإنتاج ما وصفها «لوحات خرجت من الجدار»، لكنه لم يحتفظ بها لأنه لم يشعر بالثقة الكافية تجاهها، ثم تحول إلى النحت. أول عمل ثلاثي الأبعاد كامل له كان «توبانغا» (1965)، قطعة خشبية وفولاذية تبدو وكأنها ترتفع عن الأرض ثم تنخفض نحوها. عرض «توبانغا» في Park Place، التعاون الفني في نيويورك حيث كانت باولا كوبر مديرة؛ ومن خلال غاليريتها استمرت بارعة في تمثيله حتى أيامه الأخيرة. (تُمثل أعماله أيضاً حالياً لدى Karma وGalerie Max Hetzler.)

في معرض «الهياكل الأولية» عام 1966 عرض غروسفينور عملاً آخر من الخشب بعنوان «ترانسوكسينا» (1965) شكل حرف V بانحداره من السقف ثم ارتفاعه. وعلق «بدون عنوان» (1968–70)، عمل من الفولاذ مطلي بالأبيض، من السقف ليتحلق فوق رؤوس المتفرجين. أعاد غروسفينور تركيب هذا العمل بشكل لافت في معهد الفن المعاصر في ميامي عام 2018.

في السبعينيات تحول إلى العمل بأعمدة خشبية، مستخدماً الصنوبر وأعمدة الهواتف الخشبية المعاد استخدامها، فكان يقطعها ويكسرها بطرق وصفتها بعض الكتابات النقدية بالعنفية. كتب الناقد جوزيف ماشِك: «ما تبقى جميل، لكن ليس لأن شيئاً أضيف، ولا لأن جمالاً كامناً قد انكشف.» كان يدهن هذه العوارض بالكريزوت، وهي مادة سامة ذات رائحة نفاذة.

في السنوات الأخيرة صنع منحوتات على شكل سيارات وقوارب، مستلهماً جزءاً من ذلك من وقته في فلوريدا كييز حيث امتلك منزلاً. كثيراً ما أمضى شهوراً في صقل قطعة واحدة تدريجياً.

ظل متواضعاً حيال طريقته في العمل، قائلاً لمجلة Rail: «أعمل بانتظام وبسرعة كبيرة، لكن هناك الكثير من الأخطاء. أظن أن ذلك سبب عدم وفرة إنتاجي.»

أضف تعليق