في معرض “في وسيط الحياة” بالمركز الرسمِي يتضح أن رسومات بيوفورد ديلاني ليست مجرد مخططات تقلّ ضوءَ لوحاته المتوهجة؛ كانت الرسم وسيلة وجودية جوهرية في حياته الإبداعية. المعرض، في اتساع قراءته لشكل الفن، يعرض أعماله على الورق بتقنيات رطبة (ألوان مائية، غواش) وجافة (باستيل، جرافيت)، ويستقبل الزائرين بـ”الذاتية” (1964). ضربات فرشاه الواسعة والإيحائية تصوغ وجهه من ألوان ترابية يلمع فيها الأحمر والأخضر من حين لآخر؛ لوحة ألوانها الخافتة تتباين بشدة مع الجدار الذهبي، فتمسك الفنان ونور هالته.
في واجهة عرض تحتوي مستندات أرشيفية، تعكس رسوماته بقلم الحبر الجاف لإيلا فيتزجيرالد تقديره العميق للجاز. غذّت ممارسة ديلاني روح الارتجال والحيوية التي شهدها في هارلم في أمكنة مثل صالة سافوي ومقهى سوسيتي. بين عامي 1936 و1952 نسج صداقات وروابط فنية مع الحداثيين في وسط المدينة أمثال جورجيا أوكيف وألفريد ستيغلِتز، وكذلك مع شخصيات نهضة هارلم مثل جاكوب لورانس وروماري بيردن.
بناءً على نصيحة صديقه الكاتب والناشط جيمس بالدوين، استقر ديلاني في النهاية في فرنسا. هناك واصل طمس حدود التمثيل والتجريد، وجعل كل منهما يتخلّل الآخر. بورتريه 1961 لصديقه أستاذ الجامعة أحمد بِيود يشترك في ملمس اللوحة ولوحة الألوان الصفراء والبنية نفسها مع اللوحة التجريدية غير المعنونة (1959) المجاورة. معًا تعبر هاتان القطعتان عن قدرة ديلاني على استعمال اللون والضوء للتنقّل بانسيابية بين استحضار شخص وابتكار جو محض.
إلى جانب اللوحات التجريدية الحيوية بالألوان القوية والصور البورتريتية المفعمة بالطاقة، هناك أعمال تفتح نافذة نفسية وثقافية أعمق على عالم ديلاني. في “ذاتية في حمام باريس” (1971) يحوّل مكاناً مرتبطاً بمجتمعات جنسية للرجال المثليين إلى مسرَحٍ استعراضي، عارضًا نفسه بزي مبالغ فيه أمام خلفية صفراء جريئة.
عند ديلاني، كان كونه مثليًا يعني العيش والإبداع من على هامش المجتمع، حيث تتشابك الجنسية والعرق والحداثة بطرق ظاهرة وخفيّة. الكويرية لديه ليست مجرد هوية شخصية، بل نمط بصري يقوم على رفض الحواجز واحتضان ما يوجد في النور والظل معًا.
بورتريه ديلاني لجيمس بالدوين (1945) بارز في المعرض، جزئياً لأنه يجسّد هذه المواضيع بجماليات رائعة. كان كلاهما رجلاً أسود ومثليًا يواجهان العنصرية ومعاداة المثلية في منتصف القرن العشرين. يرسم ديلاني بالدوين بلطف استثنائي، فتتسرب حميمة صداقتهما وقيرتهما المشتركة عبر اللوحة. طبقات من الأخضر والبنفسجي والأزرق والأحمر تمزج ملامح بالدوين إلى بورتريه منشوري. ونظراً لأن صداقتهما امتدت عبر قارات وعقود، تصبح هذه الصورة شهادة على الأخوّة التي نمت من تجاربهما المشتركة.
في النهاية، ربما كان الرسم أكثر لغات ديلاني حميمية وبقاءً. تلك القطع، بجوها الذي يستحضر الحياة المعاصرة وألوانها النابضة، تقف بذاتها كأعمال أساسية في رؤيته الفنية الفريدة. ينجز المعرض هدفه بإظهار كيف كان الرسم مختبراً للتجريب لدى الفنان، وإرثه لا يزال يتكشف بطرق تتسع مع الزمن.
يستمر معرض “في وسيط الحياة: رسومات بيوفورد ديلاني” في المركز الرسمِي (35 شارع ووستر، سوهو، مانهاتنن) حتى 14 سبتمبر. نظم المعرض ربِيكَا ديجوفانا ولورا هوبتمان.