الكتابة والأبجديات وأنماط الطباعة ليست مجرد أدوات؛ هي تقنيات نخبوية متوغلة صارت تجثم داخل وعيك، لتعيد تشكيل عاداتك وردود أفعالك وطريقة إدراكك. ماذا تكسب هذه التقنيات؟ السيطرة على وسائل الإدراك نفسها.
كلا المشروعين نشأا من مواد معثور عليها. كانت “سباقات الحروف” أصغر حجماً، بُنيت فوق ألواح تزلج أو قطع بُنية بحجمٍ مماثل؛ انسيابية حادة، زوايا قاسية، مظهر مخيف ومدهش. أما “آلهة القمامة” فكانت أعقد؛ بدلات كاملة صنعها راميلزي من ألعاب مهشمة، وقطع حديدية متآكلة، وبلاستيكٍ مهمل. كل بدلة امتلكت شخصية وسمات مميزة، وكان معروفاً أنه يجمع أجزاء من بدلتين أو أكثر ليصنع بدلة ثالثة فريدة.
الشخصية الأهم بين كل هذه كانت “غاشولير”. صنع البدلة كان مشروع حياة؛ وفي ذروتها تحوّل غاشولير إلى كتلة هائلة تقارب مئةٍ وخمسين رطلاً من رؤوس الدمى، ونظام صوتي كامل، ولوحة مفاتيح تحولت إلى سلاح، حتى شاهد به قاذف لهبٍ يعمل بكامل طاقته.
استشهد الناقد الثقافي مارك ديري بغاشولير في مقاله عام 1993 “العودة إلى المستقبل الأسود” حيث صاغ مصطلح الـAfrofuturism. ويدّعي ديري اليوم أن غاشولير يحتلّ مكانة فريدة في عمل راميلزي؛ انه أعطى صورة صادمة لابتلاع الهيب هوب لخيال العلوم والرموز المصورة؛ كان غاشولير رجلاً معدنيّاً على طريقة جاك كيربي، هياكلٍ مرقّعة من اللصق والشريط اللاصق التي قد يرتديها بطلكم المصوّر لو اشترى ملابسه من بسطات المَعارِض في آستور بليس واضطر للقتال في ما كانت آنذاك أراضٍ بور جنوب برونكس. جسّد بقوة نظرية راميلزي حول “الخيال القوطي” وإعادة قراءته المتقنة للإضاءة الوسطى كهجـوم متمرّد على الأصول اللغوية.
يضيف أنجيوليني: “كلمة ‘قوي’ لا تكفي لوصف مشروع غاشولير. قضى راميلزي وقتاً طويلاً وهو يحاول تعريف آلهة القمامة وسباقات الحروف. لكن غاشولير كان المشروع المطلق، آلهة قمامة متوّجة، أكبر وأكثر أهمية من أي إله قمامة آخر، وهو ذلك الكيان الذي عرّف نفسه به أكثر من غيره. وربما كان غاشولير كياناً في فئة خاصة به.”
توفي راميلزي عام 2010 عن عمرٍ يناهز التاسعة والأربعين، نتيجة مرض نشأ جزئياً عن استنشاق أبخرة الراتنجات ومواد أخرى استخدمها في صناعة أعماله الفنية طوال حياته.
فلسفته وفنه أثرّا في الثقافة أبعد من جدران المعارض والمتاحف. كان مغنياً راباً، وعلى أمثولة من أعماله مثل أغنية “بيت بوب” ألّف أسلوب قافية يعرف بـGangsta Duck الذي أثّر على فرق مثل بيستي بويز وسايبرس هيل. كان له جمهور واسع ومتحمس. ربطته صداقة—وربما علاقة عاصفة—بجـان ميشيل باسكيات، الذي أنتج “بيت بوب” شخصياً وأدرج بورتريه لراميلزي في لوحته الشهيرة “هوليوود أفريكانز”. ظهر راميلزي أيضاً في أفلام، فقد اكتُشف عمله في فن الغرافيتي في فيلم الوثائقي لشارلي أين، “وايلد ستايل”، وظهر في أدوار صغيرة مثل تلك التي في فيلم جيم جارموش “أغرب من الجنة”. نقلت واشنطن بوست عن جارموش قوله إن راميلزي “عبقري. عندما تتحدث معه… هو الرجل الذي قد تغيّر حياتك بعد عشرين دقيقة حديث؛ إذا استطعت فهمه.”
“كان ذا حضور ساحر”، يقول أنجيوليني. “غالباً ما كان يحضر مرتدياً إحدى أزيائه الأيقونية. قيل لي إنه أبقى الناس في حيرة حول مكانتهم معه: هل يحبونك؟ هل أنت في موقع ثقة لديه؟ كان شخصية عصية على الفهم أحياناً، ذات حضور يفوق الحياة حينما يظهر في افتتاحية معرض. كان يخلق مركز ثقل في الغرفة.”
كرّس راميلزي حياته لصياغة فلسفته، ولإنتاج أعمالٍ تجعل هذه الفلسفة ملموسة ومرئية. تُظهر مجموعته من النصوص والمنحوتات والبدلات الأوهام التي يستخدمها الأقوياء والأثرياء للتحكم في إدراكنا للواقع، وتقدّم بدلاً من ذلك ترياقاً—طريقاً نحو التحرر، حريّة تشقّ الكون ذاته وتُظهر أنه لا شيء مستحيل إذا جمعنا الجهود وتعلّمنا معنى أن نصبح بانزرايز، أن نكون ايكونوكلاست، أن نهرول نحو الألوهية ونكتشف أنه بين النفايات كنوزٌ تنتظر من يراها.