سالي مان حياة فنية تُثير الانقسام

صورة: «أريست سالي مان مع ليكا» (تصوير: ماود سكويلر كلاي)

لا يعاني الفنانون الباحثون عن توجيه وإلهام من ندرة الكتب، فهناك من جوليا كاميرون إلى أوستن كلين وريك روبن آلاف الصفحات الحاوية على تعليمات مبتهجة تقع بين الكوان والحكم البديهة، تحث القارئ مثلاً على «دع نفسك تلعب» و«استخدم يديك» و«انظر إلى الداخل».

في كتابها الأخير العمل الفني: عن الحياة الإبداعية، تقدم سالي مان—ربما لأول مرة—نصيحة عملية حقاً؛ فبينما تتناثر اقتراحاتها للتعامل مع الرفض والشتات والسعي للكمال تبرز قائمة كتبتها بخط اليد في 1971 للعلاجات المنزلية: «ستلاحظون في منتصف الصفحة أن الديدان المعوية يُعالج بعضها بالثوم النيء والأرز»، وتضيف مان بصراحة ساخرة أنها كانت مخطئة: «أفضل علاج للديدان—خصوصاً الديدان الدبوسية—هو التراب الدياتومي.»

وبالطبع.

كما في مذكرتها التي لاقت استحساناً الصادرة عام 2016، تتدفق في العمل الفني روح الدعابة المتواضعة واللياقة الشعرية لسالي مان، مصحوبة بصورها الفوتوغرافية ومقتطفات يوميات ومراسلات مع المصوّر تيد أورلاند. ولدت مان في ليكسينغتون بولاية فيرجينيا عام 1951، وتعود صورها كثيراً إلى مناظر وادي شينانداوه، بما في ذلك تصويرها لأطفالها الثلاثة أحياناً عراة، تلك الصور التي أثارت غضباً واسعاً عندما عرضت في معرض «العائلة المباشرة» عام 1992 في نيويورك.

ورغم أن معارض مان اللاحقة لم تبلغ ذروة الضجة تلك، فقد واصلت بهدوء وثبات صنع الفن—والوصول إلى جوهر ما تسميه «الحياة». في المقدمة تقول: «الحياة الإبداعية لا محالا تتضمن حياةً أخرى غنية، فائضة، متنوعة ومعقّدة.»

على مدار اثني عشر فصلاً، تستعين مان بقصص من «حياتها الأخرى» لتوضيح حكمها الوجيهة بصيغة المرشدة. تروي كيف أن أول رحلة جوية لها في سن السادسة والعشرين أوصلتها إلى مقعده رونالد وينستون (ابن «ملك الألماس» هاري وينستون)، والذي ألقى إليها مفاتيح قصره في الجانب الشرقي العلوي من المدينة كمسكن لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. ومعرضها الثاني لم يكن سوى مجموعة مطبوعات مثبتة بدبابيس على جدار مقصف جامعي، لكنه أثمر أول عملية بيع لها إلى أولغا هيرشهورن التي ضمّت المطبوع إلى متحفها بصوت اسمها في واشنطن.

يقرأ  صانِعةُ الفَخارِ الرّائدةُ من بويِبلوالّتي شَقّت طَريقَها بنفسِها

بعيداً عن اللقاءات القدرية، تعرض مان حالات أثقل وزناً: تداعيات معرض «العائلة المباشرة» وقرارها سحب أربعة عشر صورة لرجال سود من معرضها عام 2018 «ألف عابِر» في المتحف الوطني للفنون. وفي فصل بعنوان «لماذا تقول نعم» تصف زيارتها لقطر في أوائل الألفية بدعوة من الأمير حمد بن خليفة آل ثاني؛ بعد تجوالها في الصحراء برفقة سائقي القصر صدمت من السيارات المهجورة وبراميل النفط الصدئة والأكياس البلاستيكية وزجاجات الصودا—مخلفات دولة صاعدة ثرية—، واكتشفت أنها والأمير يشتركان في حب بيئتي بلديهما، فوافقت على العودة في الأسبوع الثاني من سبتمبر 2001 لالتقاط بورتريه له في منظرٍ طبيعي مفضّل لديه.

أن هذه الرحلة لم تتم ليس مفاجئاً. وما هو أعرض أثرً في زمننا الحالي أن مان تذكر أن مجلّة أدبية مهمة رفضت مؤخراً نشر مجموعة من أعمالها غير المنشورة (معظمها مناظر طبيعية التقطت في قطر) بحجة السجل الحقوقي المثير للجدل في البلاد. وفي وقت مبكر من هذا العام جرى فتح تحقيق جنائي في صورها لأطفالٍ عراة وصودرت من معرض في متحف الفن الحديث في فورت وورث؛ ثم أُسقطت التهم لاحقاً، لكن القضية تمثل شكلاً من ضراوة قانونية لم يسبق له مثيل حتى في ذروة الذعر الأخلاقي في التسعينات.

أين دليل الفنان على التعامل مع الرقابة؟ ومتى يجب على الفنانين الامتناع عن الانخراط مع أنظمة قمعية؟ هل يكفي تمييز قطر ضدّ العمال المهاجرين والنساء ومجتمعات الميم لامتناع الفنانين عن التعامل معها، أم يجب أن يبلغ الوضع حد الإبادة ليدعوا إلى سحب المعارض؟ لا أظن أن هناك إجابات سهلة، وحتى أفضل نصائح الإبداع قد تبدو جوفاء في خضم هجمات حكومية واسعة على المتاحف والمؤسسات الثقافية. وفي تأملها في رقابة أعمالها تذكرنا مان بمسؤولية الفنان الأسمى:

يقرأ  صور فنية رفيعة وبسيطة لكالي ساريكوموقع «تصميم تثق به» — تصميم يومي منذ ٢٠٠٧

«عليك واجب تجاه المتلقي أن تعرض إحساساً مختلفاً (فلمَ إذن سيبذل الآخرون عناء استكشاف إحساسك؟)، أن تضع منظومات معتقداتهم المترسخة موضع سؤال (ليس عبثاً وبقدر المستطاع مع الاحترام وقليل من الجمال)، وأن تتحدى وتخرب. كلما كنت أكثر فعالية في ذلك، كلما أثرت مزيداً من الاضطراب، وربما حتى الغضب.»

مان لا تميل إلى التعليمات المقتضبة. لكن إن كان لعمل فني أن يقدم إجابة فليكن ذلك عبر مثال مؤلفه: استمر في العمل؛ تحدَّ؛ أربك؛ اصمد.

العمل الفني: عن الحياة الإبداعية لسالي مان (2025)، صدر عن دار أبرامز ومتوافر على الإنترنت وفي المكتبات.

أضف تعليق