سيرة صريحة بلا تجميل عن الرجل الذي يقف وراء مجموعة بارنز

تبهِر جودةُ وتنوّعُ المجموعة في مؤسسة بارنز بفيلادلفيا. تُعرَض أقنعةُ غربِ أفريقيا ومجوهراتُ قومِ «دينيه» والأشغالُ المعدنية الزخرفية إلى جانب ما يقارب خمسين عملاً لهنري ماتيس، وتسعةً وأربعين عملاً لبابلو بيكاسو، وأكبر مجموعة أحادية في العالم من لوحات بول سيزان وبيير-أوغوست رينوار. الزوارُ الذين يكتفون بالتصفيق والإعجاب السطحي كانوا سيغضبون مؤسِّسَ المتحف، الدكتور ألبرت بارنز، الذي كان يرى أن المشاهدة الدقيقة والتفكير العقلاني عنصران أساسيان للتجربة البصرية.

قليلون بين جمهور الثقافة يدركون أن بارنز أنشأ المؤسسةَ بموجب ميثاقٍ تعليمي، وبلورَ طريقةً عمليةً لتدريس تقدير الفن. يقدّم لنا الناقد الفني بليك غوبنك سيرةً جديدةً جذّابة بعنوان The Maverick’s Museum: Albert Barnes and His American Dream (2025)، تقدم سرداً شاملاً، بكل ما فيه من إنجازات ونواقص، لهذا الجامع الرؤيويّ للأعمال الفنية.

خلال عقودٍ تلت وفاة بارنز، أعاق موظفو المؤسسة الباحثين والسِيَرَيين بحمايةٍ مفرطة لإرثه؛ فقد حبَسوا الأرشيف ورفضوا المقابلات. روى هوارد غرينفيلد، في مقدّمة سيرته The Devil and Dr. Barnes (1987)، كيف اضطرّت زوجته باولا إلى التسجيل سرّاً في دوراتٍ عن أسلوب بارنز داخل قاعات المؤسسة في الضواحي، التي كانت تعمل أيضاً كصفوفٍ دراسية. هناك تعلّم الطلابُ التركيزَ على عملٍ واحدٍ في كل مرة، وقراءةَ استعمالِ اللون، والخط، والضوء، والمكان. بالنسبة لبارنز، كانت قصةُ القطعةِ أو تاريخُها أو وظيفتُها أموراً فرعية لا تُدخل في صلبِّ التقدير الفني؛ فالتاريخُ الفنّيّ لم يكن جزءاً من المنهج.

تتتبّع سيرةُ The Maverick’s Museum معالمَ حياة بارنز لتقودنا إلى فهمٍ أكثر ثراءً لتناقضاته. بفضل بحثٍ أَرشيقيّ محنّك ونظرةٍ معاصرة، يكشف غوبنيك عن قصةٍ دقيقةٍ متعددةِ الاتجاهات. يفحصُ تأثيرَ التبادل الثنائي بين بارنز والفيلسوف جون ديوي، ويحلّلُ إلتزامَ الجامع بمفهوم «الفن كتجربة». كان بارنز مصلحاً اجتماعياً وثقافياً وتبنّى مواقفَ مساواتية؛ إذ آمنَ بأن أي إنسان، بغضّ النظر عن مستواه التعليمي، يمكنه أن يتعلّم تقديرَ الفن، وأن نهجه في التعليم الفني يحمل وعدَ «إلغاء الفوارق الاجتماعية».

يقرأ  سوثبي تراهن على الثقافة الشعبية —جيتار إيدي فان هالين بقيمة مليوني دولار

ترعرع بارنز ابناً لوالدٍ مصابٍ في حرب الاتحاد الأهلي ووالدةٍ ميثودية متدينةٍ عرّضته لاجتماعاتٍ دينيةٍ عرقية متباينة. هناك تعرّف على الترنيماتِ السوداء التي اعتبرها «الموسيقى الأميركية الوحيدة الأصيلة». نشأ الصبي في حيّ جنوبي فيلادلفيا كان يُدعَى آنذاك «ذا نيك»، ذا أصولٍ فقيرة وتضاريسٍ موحِلة، حيث توهّجت قدراتُه القتالية طِوال شبابه حتى صارت لكلماته اللاذعة وقع اللكمة كرجل بالغ.

أثناء دراسته للدراسات العليا في ألمانيا التقى بشريكه الذي صاغا معاً دواءً مرخّصاً باسم Argyrol، مطهِّراً أنقذَ أرواحاً وأدرَ له ثروةً طائلة. يرجّح غوبنيك أن ذكاءه التسويقي كان سبباً رئيسياً في نجاح الدواء، ومن ثمَّ أصبح الطبيبُ غير الممارس قادراً على شراء الفن. ومع ذلك، كان بارنز يميلُ إلى التقليل من شأن أو تجاهل أسماءٍ لعبت دوراً في اقتناءاته الفنية، من بينهم صديقه الرسام الأمريكي ويليام غلاكِنز ومرشده التاجر الفرنسي بول غيوم.

من الصعبُ حصرُ ذوقِ بارنز في قالبٍ واحد، فقد كان كثيرٌ من اختياراته مبكرةً ورؤيوية، لكنه لم يكن عالماً بكل شيء. يشير غوبنيك إلى «عمىٍ تجاه الطليعة» وقلة اهتمامه بالفنِّ غير التمثيلي. وتُورد السيرة أمثلةً على قراراتٍ أحبطت المتابعين، مثل رفضه في عشرينيات القرن الماضي فرصةَ شراء عمل إدوار مانيه «بار في فولي-برجير» (1882)، و«ليلةٍ مرصّعةٍ بالنجوم» لفنسنت فان غوخ (1889)، العملُ الأخيرُ الذي اقتنته متحف الفن الحديث في نيويورك عام 1941.

ثمة ملاحظةٌ صغيرة عليّ حول غوبنيك: هو يوزّع أهم مصادره في هوامشٍ متخفّية لا تُوجدُ إلا على الشبكة، ما يحرم القارئ التقليدي من الرجوع الفوري إلى المراجع في مؤخرة الكتاب. أمورٌ كهذه توحي بأن زمن الهوامش المطبوعة أوشك على النفاد.

أكثرُ ملاحظات غوبنيك حدّةً تتعلّقُ بتنافضات بارنز في تعامله مع الفنِّ والثقافة السوداء. يفتتح المؤلفُ سيرته بوصف بارنز وهو يلقي خطاباً في مأدبةٍ ضخمةٍ عَرَضَتْ طابعاً عرقياً مختلطاً عام 1924، التي اعتُبِرَت بمثابة «خروج» عصر النهضة الهارلمية. كان بين الحضور الفيلسوف ألان لوك (الرسائل المتبادلة بينه وبين بارنز شكّلت أساس عمل الفنان إسحاق جوليان في 2022)، والمفكّر والنضالي دبليو.إي.بي. دوبوا، والشاعر لانغستون هيوز، الذين استمعوا إلى بارنز وهو يتحدّث عن «أسلاف هارلم من أفريقيا» الجدد. إن معاملة المجتمع للسود كانت مقيتةً لدى بارنز، لكنه في رسالةٍ أبدى نوعاً من الضروريات العرقيّة المبسّطة، قائلاً إن «كل زنجي شاعر وفنان وأن الشؤون العملية للعالم لا تثير اهتمامه كثيراً».

يقرأ  الطيور تستعرض أناقتها على خلفيات كلير روزن المزخرفة

اليوم قد يبدو سهوُ بارنز عن سؤال «لماذا صُنع هذا العمل؟» متناقضاً مع تقديره المميز للفن الأفريقي، لكن غوبنيك يربط ذلك بمنهجه التعليمي الذي كان يهمّشُ الغرضَ والوظيفة. تزخر The Maverick’s Museum براصداً فكرياً ثريّاً وبمكاسب بحثية أرشيفية، ومن المرجّح أنه بعد قراءة هذه السيرة الحيوية النابضة ستشعر بالرغبة في زيارة مؤسسة بارنز — والعكس صحيح.

متحف المتمرّد: ألبرت بارنز وحلمه الأمريكي (2025) بقلم بليك غوبنيك، نشرته دار Ecco ومتاحٌ عبر الإنترنت ومن خلال دور الكتب المستقلة.

أضف تعليق