غابرييلا مونتر عشق فني: التصوير الفوتوغرافي، الرسم وصداقة كاندينسكي

اللوحة الأولى في معرض غوغنهايم المُخصّص لاستطلاع أعمال الرسّامة التعبيرية الألمانية جابرييلا مونتر (1877–1962) تفتح لهاته الرحلة بمقاربة ضيافية — افتتاح يحدد نبرة العرض كدعوة مرحّبة. لوحة «نافذة غريسبراو» (1908) تُصوّر بلدة مورناو أم شتافلسي في جبال بافاريا كما تُرى من نافذة مخمَرة تطل على ساحة السوق. كانت المدينة تخضع آنذاك لبرنامج تجميل حضري، فأضيفت واجهات ملونة للمباني لجذب الزائرين، وفكرة اللون كدعوة تتردّد في هذه اللوحة وفي أعمال مونتر الأخرى. ضربات فرشاة وردية تصل بين أسطح المنازل في المقدمة والجبال البعيدة، تغرّ المشاهد أن يطيل النظر في منظر ربطتْه الفنانة بمشاعر التحرّر وانفلات طاقاتِها الإبداعية.

مقالات ذات صلة

كانت مونتر في مورناو برفقة شريكها آنذاك (ومعلّمها السابق) فاسيلي كاندنسكي، الذي رسم هو أيضاً نفس المشهد. معاً نددا أسلوباً تعبيريّاً جريئاً تجلّى تنظيماً في عام 1911 بتشكيل «الفرسان الأزرقون» (Der Blaue Reiter)، جمعية فضفاضة من الرسّامين حول ميونخ. ورغم أن كثيراً من التعبيرية توحي بعنفٍ خارجي وصخب بصري، تقدّم مونتر رؤىً حميمية بامتياز. ذلك لا ينفي قدرتها على المبالغة الدرامية: لوحة «قتال التنين» (1913)، المستوحاة من أسطورة القديس جورج وقتله للتنين، تثبت أنها قادرة على الاشتراك في «العمل» البصري العنيف. كثيراً ما تُقرأ اللوحة كاستعارة لصراع الفنانين الجدد في حركة الفرسان الأزرقون ضد النظام القديم، لكنها قبل كل شيء دراسة في اللون الديناميكي؛ أخضر المنظر الطبيعي يقف في تباين عنيف مع بركة الدم الأحمر المتدفقة من رقاب التنين المقسّمة.

مع ذلك، تكمن قوة مونتر الحقيقية في المشاهد الأكثر هدوءاً. في نظرة تكاد تكون لا تطاق من خاصّيات حياتها المنزلية، تُعيد لوحة «غرفة المعيشة في مورناو (الداخلية)» حوالَي 1910 تصوير مساء في البيت. نعلاّفٌ موضوعة على حافة اللوحة تقدّم ترحيباً رقيقاً؛ تذكارات شخصية تصطف على الرفوف والجدران؛ وفي غرفة مجاورة يستلقي كاندينسكي في سريره، لمحة نادرة لفنّان كان يُعتبر قانونياً في حالة سكون. استعداد مونتر لعرض حياتها ونَفْسها أمام المشاهد يضفي على نسختها من التعبيرية طابعاً أكثر سخاءً وإنسانية من ادعاءات شريكها الكبرى حول الروحانية الشاملة.

يقرأ  كشف هوية سيدة رومانية مجهولة عبر تمثال أثري في شبه جزيرة القرم

قبل أن تمسك بالفرشاة بصورة حصرية، صاغت مونتر عيونها عبر التصوير الفوتوغرافي: غادرت إلى الولايات المتحدة عام 1900 حاملةً كاميرا كوداك بولز-آي رقم 2. أتاحَت لها ممارسة التصوير تجربة الإطار والاقتصاص بطرق أثّرت لاحقاً في لوحاتها. طبعٌ ضيّق لطرود محتجزة في حضن امرأة، في لوحة «طبيعة صامتة في الترام (بعد التسوق)» (حوالي 1909–1912)، يحمل إحساساً فوتوغرافياً مميّزاً. لكن العمل بالكاميرا جعلها أيضاً واعية بإمكانية إدراج حضورها المتعمّد داخل العمل، إذ كان جسدها يثبت الكاميرا وظلّها يظهر على الفيلم.

في عام 1920 علمت مونتر أن كاندنسكي، الذي عاد إلى موسكو ليمضي فترة الحرب العالمية الأولى، قد تزوج امرأة أخرى. ومع ذلك، استمرّ عطاؤها الفني وروحها السخية لعدة عقود. لوحة «فطور الطيور» (1934) تُقيم طاولة بصرية وذوقية: رتّبت مونتر الشاي والكعك على مائدة، ووضعت الطيور في الشجيرات خارج النافذة، كما لو أن ذلك لأجل سرورنا بقدر ما هو لسرور الشخصية الجالسة في اللوحة. لوحة «الرسالة» (1930) تقدم بدورها طبقاً صغيراً من العنب عند حافة اللوحة، مما يستحضر في ذهني نقيضاً مثالياً لحزمة العنب المهددة في مقدمة لوحة بيكاسو «العذارى في أفينيون» (1907). إنها نسخة من الفن الحديث خالية من العدوانية المطلقة التي كثيراً ما تصاحبها، مع أن مونتر لم تكن أقل انخراطاً في قضايا التمثيل والتجديدات الجذرية في الشكل والتركيب واللون.

كنت أتمنّى رؤية ألوان مونتر النابضة تصعد على منحدر غوغنهايم المركزي كما عهدت أعمال كاندنسكي، لكن الغرف الأكثر انعزالية التي يكشف فيها العرض عن نفسه تلائم ممارستها، فتخلق مواجهة حميمة بين المشاهد واللوحة. في زيارة يوم بارد من أيام نوفمبر، لفتت انتباهي لوحة «منظر ثلجي مع بيت ذو سقف أحمر» (1935)، حيث وُضع بداية دربٍ تماماً في مركزها. شخصان في المسافة الوسطى، يحفران بالجاروف، يفسحان الطريق للمشاهد ليخطو إلى عالم مونتر المُتقن التصور.

يقرأ  سحر فني مُستحضر حكاية خيالية بتقنية إيقاف الحركة ومجموعة بطاقات أوراكل من سوون — كولوسال

أضف تعليق