«وقعت في حب تجربة الرسم بالألوان المائية على الورق: فعل التلوين نفسه، تدفّق الألوان وانسيابها، استجابة الورق، رونق الفرش، سرعة الوسيط وعدم تساهله — كل ذلك كان جذّابًا للغاية.»
تتسم تركيباته الغريبة بعصيانها لقواعد المكان والزمان. فبدلاً من الانبثاق من سرد خطّي منطقي، تنبع صورُه من همساتِ تذكّرٍ عشوائي فتتبع منطقَ نصفِ اليقظةِ الحُلميّ؛ مفصومةً عن الذات ولكنها ملموسة بما يكفي لتحديد المشهد. قد نشعر بوجود مقدّمة، لكن ما وراءها مسطحٌ، فتسمح التفاصيل بأن تسدّ فراغات الذاكرة كما تشاء—عزفُ البانجو يطفو في الهواء، قرود تتسلّق عوائق غير مرئية، ولوحات معلّقة على جدرانٍ غير موجودة. ومن هذا الفوضى ينبثق عرضٌ مرضٍ. يشرح: «كلّ المشهد أشبه برقصةٍ مرتّبة، أو أداء قطعة موسيقية مأخوذة من مؤلّف؛ كل العبث يكون في مرحلةِ المسودة والتكوين الأولى. أجرب عشرات الاحتمالات في تلك المرحلة الناشئة، لكن حين تكتمل الرقصة يحين وقت التنفيذ، وقت الأداء الذي لديك فيه محاولة واحدة فقط. الحبر والألوان المائية على الورق لا يرحمان؛ كل حركة تبقى نهائية، لا طلاءَ فوقها ولا كشط، لذا يجب أن تتوافر تركيزٌ نقي وإيمانٌ يأخذانك إلى فضاءات ذهنية أخرى. كصنع ماندالا من الرمل أو شيءٍ من هذا القبيل. إنها عملية مختلفة تمامًا عن الرسم التقليدي. لكنها قد تكون مرهقة.»
في تناقضٍ خفيفٍ مع مشاهد غرفة نوم بالادينو، تبرز هُويّاتُه النباتية المميّزة—لوحات بورتريه نباتية مشبعة بالملمس، وفي الوقت نفسه ناعمة حالمة، كلها ضمن أسلوبه الغرائبي النفسي المميّز. تُمجَّدُ فيها أنماطُ الصبّار، طيّاتُها اللحمية تتلوّى في بهاءٍ هلوسيّ. عاش بالادينو وزوجته في لا باز خلال السنوات الخمس الماضية؛ جزء من سلسلة جبال الأنديز ومدينة العاصمة الأعلى ارتفاعًا في العالم، حيث ازدهرت الغزارة الهائلة من الصبار والنباتات العصارية. ينمو نبات سان بيدرو—المنشأ أنديزياً—بظاهرة تُدعى “التكسر” أو التموج، استجابةً للطفرات أو العدوى أو التلف، فتتكوّن أنماط نموٍّ شبيهة بدماغٍ صغير، وقد صار هذا النبات مصدر إلهام لبالادينو. عن هذه الحكاية الغريبة المذهلة للنمو يقول: «بدأت ألعبَ فكرةَ “الزرع” أو تصميمِ نسخٍ خاصة بي، وبدأت تأخذ طابعًا شبه روحيّ، كأنك تلتقي إلهًا قديمًا منسيًا—شيئًا عتيقًا حكيمًا وغامضًا. ثم بالطبع أصبحت محيطاتُ هذا المكان، الجبال الجافة، والسماءا القريبةُ الدراميةُ، إطارًا آخر يحيط بالنباتات.»
لا تتوقّف مبدعيته عند اللوحة؛ فكثيرٌ من أفكاره تتجلّى على نحو مادّي في قوالب حائط بارزة ملموسة، باستخدام الراتنج أو مطبوعات ثلاثية الأبعاد مرسومة يدويًا. قد تتّسق هذه الأعمال مع عناصر مألوفة من لوحاته—قططٌ مرحّة، أشرطة قوس قزح، وأزهارٌ تشبه الحلوى.
وعند سؤاله عن الوجهة القادمة لهوساته، يقول: «آمل هذا العام أن أستكشف الرسم بالأصباغ على القماش. شريكتي خبيرة في المنسوجات، سنجري على الأرجح بعض التعاونـه، كما أود أن أعيد العمل على القوالب الحائطية ثلاثية الأبعاد التي أنجزت عليها الكثير، فتابعوا ذلك.»
بغضّ النظر عن الوسيط، ينبثق شغفه بتفاصيل الحياة الغريبة أمامنا، محفّزًا أعين المشاهدين ومتعاونتهم.
ظهرت هذه المقالة أصلاً في عدد Hi‑Fructose رقم 74. لا يزال بإمكانكم الحصول على نسخة منه أو الاشتراك للحصول على أعدادنا الأحدث.