فانتوماه قبل ظهور المرأة المعجزة

فانتوماه — المرأة الغامضة في الأدغال — تتصدَّر غلاف مجموعة عنوانها الصارخ: «أطلقوا أشعّتنا المميتة واقتلوا الجميع!»

عندما ظهر سوبرمان في العدد الأول من Action Comics عام 1938، نجح النجاح بسرعة مدهشة فاستنهض جيشاً من المقلدِين، إلى حد تكوّن صناعة كاملة خلال زمن قصير. شركات جديدة نسقت عمليّة إنتاج شبيهة بمنهج فورد لتصنيع القصص المصوّرة بكميات كبيرة وجذب أنظار ومال أطفال أمريكا. إلى جانب شخصيات صارت أيقونيّة، ثمة عشرات الشخصيات التي لم تحظَ برواج وسُكِبت في سلة النسيان الجماعي. وفي عصر صناعة القصص المصوّرة هذا — ما نسمّيه اليوم بالعصر الذهبي — كان قلةٌ من صُنّاع الكارتون الهامشيين يتوهّجون بقدر فليتشر هانكس.

بين أواخر 1939 وصيف 1941، ابتكر هانكس شخصيات غريبة مثل Super Wizard Stardust وSpace Smith وفانتوماه، المرأة الغامضة في الأدغال — إحدى أوائل البطلات النسويات الخارقات، التي سبقت وندر وومان. لم يلبث أن ترك المهنة بعد هذه الفترة القصيرة لأسباب لا تزال إلى حدّ كبير طيّ الغموض، فاختفت أعماله عن التداول لعقود. لكن في ستينات وسبعينات القرن العشرين أعادته حركات مضادة للتيار إلى دائرة الاهتمام، وأُعيد طبع بعض قصصه في مجلات بديلة مثل Raw.

أحد أكثر المدافعين عنه حماسة كان رسام الكوميكس والمؤرخ ومحرر Raw سابقاً بول كاراسيك، الذي كشف كثيراً من خبايا حياة هانكس الغامضة. حرّر كاراسيك مجموعتين من قصصه: «سأدمر كل الكواكب المتحضّرة!» (2007) و«ستموت بخلقك الشرير!» (2009). والآن جُمعت كل مجموعة أعمال هانكس، مكوّنة من 51 قصة، في مجلد واحد حرّره أيضاً كاراسيك بعنوان «أطلقوا أشعّتنا المميتة واقتلوا الجميع!» (فانتاغرافيكس، 2025).

تقدّم مقدّمة كاراسيك لتجميعه رؤية واضحة عن كلّ ما ميّز هانكس عن نموذج صانع الكتب المصوّرة في زمانه. كان معظم الكتاب والرسامين آنذاك شباباً في عشرينياتهم أو حتى مراهقين، أمّا هانكس فكان في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من عمره. وصفه من عرفوه للكاراسيك بأنه مشاغب لا يصلح للتأديب منذ صغره، مدمن كحول ومعنّف جسدياً، وقد ترك زوجته وأربعة أولاد عام 1930. وجوده في عالم الكوميكس هو من النادرات القليلة في حياته التي لا تحفّها أسئلة. في النهاية مات ميتاً فقيراً ووحيداً، وُجد جسده متجمداً على مقعد في حديقة في منهاتن في يناير 1976. عائلته لم تكن تعرف عن مسيرته في الكوميكس شيئاً؛ وعندما تعقّب كاراسيك Fletcher Hanks Jr. في أوائل الألفية وأراه بعض صفحات والده، لم يدرك الاب المغزى الذي أثار الضجة.

يقرأ  رومانو فلورياني موسولينيحفيد الديكتاتور بينيتو موسوليني يخوض أول ظهور له في دوري الدرجة الأولى الإيطالي مع كريمونيزه

العصر الذهبي للكوميكس كان وقت تجريب مكثّف؛ الفنانون الذين عملوا في هذا الوسط الفتيّ كانوا بعدهم يحاولون اكتشاف ما يصلح بصرياً على الصفحة، فكثر الخطأ داخل هذا الاختبار. وحتى قياس هذا السياق، تبدو قصص هانكس بصرياً منحرفة ومشوِّشة. تناسب أجسام شخصياته نادراً — الفكوك بارزة بحدة، رأس ستاردس صغير نسبياً، الأطراف مطوّلة، الأيادي مبالَغ فيها. تتحوّل الأجساد بتشويهٍ غير طبيعي لتوضيح الإيماءات، ومع ذلك تبدو مشاهد الحركة خفيفة الوزن. من عادات رسمه الثابتة تصوير شخصية طائرة بذراعين جامدتين إلى جانبيها، فتثير الإحساس المعاكس للرهبة التي يبعثها منظر سوبرمان وهو يحلّق.

في تقديمه للمجلد الجديد، يكتب الروائي غلين ديفيد غولد أن «ما لا يحرك عينك عبر الصفحة مثل جاك كيربي، لا يوقفها ميتة مثل هانكس.» بالفعل، لم يكن لدى هانكس حدس لتقسيم اللوحات أو لنسق حركة السرد بينها، واقتصاد الحوار عنده غائب، إذ يفيض نصّه بفواصل وشرطات تخلق إيقاعاً متعثراً. ففقاعة كلام نموذجيّة تصف ستاردس تقول: «استعماله العلمي للأشعّة، جعله سيد الفضاء والقوى الكوكبية — غاز نجم معين، جعله منيعاً ضدّ الحرارة أو البرد.» كثيراً ما تتحوّل الحوارات وتقطيع اللوحات إلى كوميديا غير مقصودة. في نهاية إحدى القصص، يعلن ستاردس: «الآن سأوقف الحرب العالمية على المريخ!» وفي اللوحة التالية، بينما يطير بعيداً، يقول متفرّج: «ها هو ستاردس! كأنه متّجه نحو المريخ!»

يستعرض «أطلقوا أشعّتنا المميتة واقتلوا الجميع!» جانباً آخر ميّز هانكس عن معاصريه: في زمن كانت فيه عمليّة إنتاج الكوميكس مُقسّمة وظيفياً بشكل صارم، كان هو يكتب ويرسم ويجفّف ويسطِّر بنفسه. هكذا اعتُبر من أوائل المخرِجين السينمائيين (auteurs) في عالم القصص المصوّرة؛ القصص ليست غريبة فحسب، بل هي تجسيد لرؤيته الإبداعية الكاملة. أدّت غرابة أعماله وغموض حياته إلى مقارنات مع الفنان والكاتب هنري دارجر، وقد ذكر كلٌّ من غولد وكاراسيك أوجه الشبه هذه في مقدمتيهما. يرفض كاراسيك تسمية هانكس «فناناً خارج التيار» على اعتبار أن هانكس عمل داخل آلة صناعة، لكنه أنتج قصصاً تتحدّى الأفكار التقليدية ضمن تلك الصناعة، ولا تزال بعد خمسة وثمانين عاماً قادرة على إيقاف العين.

يقرأ  «شعرت بأن صوتي أُخمد»ميشا شفي: ردة الفعل المضادة في باكستان تجاه حركة #أنا_أيضًا — قضايا المرأة

المجلد «أطلقوا أشعّتنا المميتة واقتلوا الجميع!» (2025) لفليتشر هانكس، بتحرير بول كاراسيك، صدر عن فانتاغرافيكس ومتاح على الإنترنت وفي المكتبات.

أضف تعليق