فرنسا تقلب موازين تاريخ التصوير الفوتوغرافي رأسًا على عقب

آرل، فرنسا — في صميم دورة هذا العام من مهرجان رينكونترز دارلز للتصوير الفوتوغرافي تكمن تحقيقات الأرشيف وتجلياته المتحوّلة التي تعيد صياغة الروايات المعيارية وتزعزعها، تحت شعار متعمد: «صور متمردة».

يتجاوز البرنامج، الذي يضم أكثر من أربعين معرضًا في دورته السادسة والخمسين، حدود الاحتفاء المحلي ليضع سِياجًا يستعدّ لحدث أوسع في فرنسا: الاحتفال بمئوية التصوير الضوئي المزدوجة المقررة لعامَي 2026–2027، إحياءً لصورة جوزيف نيسفور نييبس الشهيرة «من نافذة في لو غرا» — أول صورة ثابتة التُقِطت بضوء. ما قد يبدو للوهلة الأولى مشروعًا قوميًا أو محاولات استعادة حنينية لصورة قبل أن تتلاشى، يظهر في الحقيقة كدعوة حيّة لإعادة التفكير في التصوير كوسيط متجدد لا يكفّ عن التحوّل.

تضع فكرة أن الصورة قادرة على التأثير في إعادة كتابة التاريخ المهرجان في سياق مهمة ثقافية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، حين بزغت سياقات ثقافية جديدة في أوروبا: مهرجان كان السينمائي، مهرجان أفينيون للمسرح، ومهرجان جاز أنتيبيس جميعها ظهرت بين 1946 و1960. كما دخل التصوير الفوتوغرافي، شأنه شأن وسائل فنية أخرى، ساحات التاريخ: الكنائس والدير، ليُعلِن رسالة جديدة وثورية.

دعوة للتأمل: الصورة المجهولة — مجموعة ماريون وفيليب جاكيه في دير سان تروفيم

يستمر المهرجان في تحدي الفنانين والقيّمين ليواجهوا فضاءات مشحونة بذيل طويل من التاريخ وطرق تسجيله، ومن بين هذه الفضاءات دير سان تروفيم الذي تُعايش جدرانه صدى اتصالات قوية. الفنانة والناشطة نان غولدين، على سبيل المثال، عُرضَت أعمالها في فضاءات أثرية مثل كنيسة سانت بليز والمسرح الروماني، حيث تتراءى قوة الإغراء والذاتية في عالم يزداد ظلامًا وتعقيدًا. عرضها المرئي «ذاكرة مفقودة» أعاد فتح حوار حول فعّالية التصوير وواقعيته وسلطة الصورة السياسية في زماننا. في هُناك قراءة لنصّ أمام جمهورٍ في الهواء الطلق اهتزّت الحجارة مع تصريح مفاده أننا نخدع أنفسنا إذا ظننا أن التصوير وحده سيغير العالم: ما نجح في الماضي لم يعد يقود اليوم.

يقرأ  محكمة الاستئناف الأمريكية تقضي بأن حملة ترامب لفرض رسوم جمركية على السلع الأجنبية مخالفة للقانون إلى حد كبير

تثير معارض المهرجان لعمل فنانين من السكان الأصليين الأستراليين وأرشيفات برازيلية أسئلة مماثلة. معرض «عن الوطن: صور من أستراليا» داخل كنيسة سانت آن يقترح حفراً جماعياً لمعنى «البلد» يتجاوز الجغرافيا إلى بُعد حميمي يربط الملمس المادي للصورة بأصوات طقوسية وتركيبات نحتية مؤثرة. في القُباب القوطية تتدلى أقمشة سيانوتايبية كبيرة طبع عليها الفنّانة سونجا كارمايكل آثار عناصر مستخدمة محليًا، من بقايا الأطعمة إلى أصداف بحرية؛ بينما تُعيد مطبوعات بريندا كروفت المصنوعة من تينتايبس، عملية تصويرٍ من القرن التاسع عشر، تشكيل وجوه نساء أمة بارانغارو في حضورٍ يبعث الهواجس والحنين.

آفاق سلفية ومستقبلية: العودة إلى الجذور في البرازيل

في اتجاه مغاير، يسعى تياغو نوغويرا عبر معرضه «مستقبلات أجدادية: المشهد البرازيلي المعاصر» إلى استخراج أعمال جديدة من سرديات مدفونة وصناعات تقليدية. تقنيات متعددة — من الفوتومونتاج إلى الذكاء الاصطناعي والرواية المصورة والأداء والفيديو — تتداخل داخل معمارية القرن السابع عشر لكنيسة الترينيتير لتدعيم مناخ إلغاء الاستعمار واستعادة التاريخ.

تتبدّى قوة المهرجان حين يثبت أن الأرشيف الفوتوغرافي يتسع إذا لم تُرسَم صوره بقوالب ثابتة أو تُقدّس. صور الناس العاديين في مجموعة ماريون وفيليب جاكيه مثال ساطع: إنها «متمردة» لأنها تبتعد عن المألوف وتفرز سرديات مشوقة ومقلقة في آن. هناك سرّ حياة في عرض الأوتوكرومز — تقنية ألوان أوائل القرن العشرين — وفي ألبوم شخصي وضع العاشق علامات لمواقع اللقاءات الغرامية ودوّن عن هوامش المدينة وزوايا النوافذ ومحطات المترو الباريسية، فبدت اللوحة الأدبية سيرة ذاتية لا أكثر.

الحرب والضباب الرقمي: «فقدان الشمال» لخارطة جوجل

في لغز آخر، تدعونا كارين كريك، الفائزة بجائزة لوكسمبورغ للتصوير، لتكبير خريطة جوجل إيرث في مشروعها «فقدان الشمال». المعروض عبر شاشات رقمية في مصلى الشاريتي يستعيد عنف نظام الأسد عبر تشويش رقمي لصور مدمّرة لبلدة أربين شمال دمشق، في مقابل سرد شخصي لبحث تحقيقي ضاع فيه الثبات المادي. يتعثر المشروع في شبكة رقمية يظهر ويخفي عبرها المرئي، حيث يصبح الحقيقي مجرد تجريد لا تستطيع الفنانة استيعابه أو حصر اتساعه. تسأل كريك في تسجيل صوتي: «كيف نعرض الحرب اليوم؟» وتستدعي أفكار الفيلسوف جورج ديدي-هوبيرمان: «إذا كان الأمر بعيدًا تفقد البصيرة، وإذا اقتربت جدًا تفقد الرؤية.»

يقرأ  لماذا باتت الحكومة الفرنسية مجدداً على شفا الانهيار؟

التبخر والصورة المؤسسية: إعادة قراءة البدء

تواجه تجارب كثيرة في المهرجان تحديًا موحّدًا: كيف نفكك ما أصبح غامضًا أو غير مؤكد أو على شفا أن يُنسى؟ صورة نييبس، الملتقطة في 1826 والتي باتت باهتة تكاد تختفي، قد تشكّل أرضًا خصبة لهذه الأسئلة وتدعو إلى قراءة جديدة للتاريخ البصري.

يستمر مهرجان رينكونترز دارلز: «صور متمردة» في مواقع متعددة في آرل حتى الخامس من أكتوبر. أشرف على إدارة الدورة كريستوف ويزنر وأوريلي دي لانلاي.

أضف تعليق