استمعوا يا شباب: هكذا كانت الأمور تُدار قديماً. إذا قرر معجب أن يكتب إليك، كان يأخذ ورقةً يخطّ عليها أفكاره، ثم يُرسلها بالبريد. بعد أيام قليلة تظهر في صندوق البريد ظرفٌ باسمك، كبرىّةٍ من ذهب في جدولٍ رملي، بين رسائل والديك المُمِلّة. العُرف كان يقتضي الردّ؛ إما لِتَشْجيع علاقةٍ محتملة أو لِتبريدها. وفي كلتا الحالتين يصبح الخطاب ملكك: تحفظه، تُشاركَه، تُهدره باحتفال النار، أو تُلقيه بلا مبالاة.
هكذا كان «التسلل إلى الرسائل الخاصّة» في ثمانينيات القرن العشرين. وأما في ستينيات القرن السابع عشر؟ فاطلعوا على «رسائل الحب» ليوهانس فيرمير في مجموعة فريك. تُعدّ هذه المعرضة الصغيرة جزءاً من احتفالات إعادة فتح المبنى المُرمّم، وتعرض ثلاثاً من ست لوحات لفيرمير تُصوّر نساءً مع مراسيل. كل لوحة مُعلّقة على ستلةٍ ذات خلفية زُرقيّة رمادية محاطة بإطارٍ بارز، مُبتعدة عن الأخرى كما تقف الحجارة القائمة بأدب. وكلّ منها تُظهر سيدة بصحبة خادمة، مرتبطة بخطاب؛ لذا، وإن كان العرض محدود الحجم، فهو في الوقت نفسه مُحْصِرٌ لكل ما أنجز الفنان في هذا الموضوع بالذات: السيدة، المراسلة، والخادمة.
أظهرت أبحاثٌ حديثة أن النساء كان لهنّ دورٌ كبير في اقتناء اللوحات في هولندا القرن السابع عشر، وربما يُفسّر ذلك بَدورهِ ظهورهنّ المتكرر في أعمال فيرمير. اثنتان من هذه اللوحات كانتا من مُفضّلات زوجته، كاثرين بولنز، التي حاولت الاحتفاظ بهما بعد وفاته لكنها اضطُّرت لبيعهما لإطعام أطفالها الكثيرين. ربما كانتا تذكّرتان بأيامٍ أخرى؛ شبابٍ ومغازلة، وبالسلطة التي تُوفّرها الكلمة المكتوبة للنساء.
عند النظر إلى اللوحات الثلاث معاً يتّضح لماذا اختار مُصمّمُ العرض أن يباعد بين القطع: ليمنع الزوّار من سكب خيوط ودبابيس لربط التفاصيل المشتركة وإقامة «جدران مجنونة» تُبرز أوجه التشابه والاختلاف. خذوا مثلاً منطقة الفخذين. في لوحة المتحف الرييكس «رسالة الحب» (حوالي 1669–70)، تُقاطَع المرأة أثناء عزفها على آلة تُشبه العود الصغير—آلة كانت تُرتبط حينها، مثل غيرها من الآلات الوترية، بالحب وبالرموز الجنسية الأنثوية. في لوحة مجموعة فريك «السيدة والخادمة» (حوالي 1664–67)، ثوبها الأصفر الناعم من الساتان مزين بشريط قرمزي يستقر—ولا صدفة—بين حافة الفرو لياقة سترتها، قبل أن يبرد لونه في طيّات مفرش المائدة ذات الأزرق المحيطي أمامها. أما في لوحة المعرض الوطني الأيرلندي «امرأة تكتب رسالة بخادمتها» (حوالي 1670–72) —الوحيدة التي نراها فيها تكتب فعلاً— فالفخذ يغلبه المائدة، ذلك المسرح للإنتاج الفكري والابتكار.
ثم الخادمة. كانت الخادمات في أدب تلك الحقبة تُقدّم غالباً كشخصيات عامة أو للّون الكوميدي. أقربهنّ لهذا النمط هي خادمة «رسالة الحب»؛ تضع ذراعها على وركها وتبتسم إلى سَُلّاطتها التي تبدو قلقة وحائرة. أما خادمة «السيدة والخادمة» فتكسب أهميةً أكبر: خدّاهما ورديتان من الفخر، تقاطع كاتبتها وهو في منتصف صياغة رسالة لتقدّم لها رسالة أخرى، موقفٌ محيّر يرفع يد السيدة إلى ذقنها في إيماءة دهشة—هل الرسالة الجديدة من ساعٍ مختلف؟ وفي «امرأة تكتب رسالة» تبدو الخادمة مستعدة على أهبة الاستعداد، تبتسم وتطل من النافذة، يمنحها الفنان لحظةً نادرة من الباطن الداخلي.
وأخيراً، المقدّمة الأمامية. يضع فيرمير الناظر في «رسالة الحب» كما لو كان ينظر إلى المشهد من غرفةٍ مجاورة مظلمة؛ إطار باب غرفة الناظر يُحيط بشخصيّتي اللوحة، وفضاء الباب من كلا الجانبين يُقسّم اللوحة إلى ثلاثة أجزاء. على اليمين كرسي مُلقى عليه أوراق نوتاتٍ موسيقية مُجعّدة، وعلى اليسار ما يشبه خزانة أدواتٍ مُلطخة ومشوّهة، ومن منظورها المُتراجع الحادّ يُموِّل الناظر إلى بريق المشهد المركزي الملوّن. نظراتنا تتعثّر عند مكنسة وزوج أحذية خارج الباب.
لا وجود لمثل هذا الحاجز في «السيدة والخادمة» التي تضعنا كأننا جالسون بالقرب من الطاولة؛ ورغم قربهنّ منا تبدو النسوة هلاميات، تتلاشى حوافهنّ في خلفيةٍ سوداء. أما «امرأة تكتب رسالة» فتعرض النساء بلا عائق لوحة الرييكس ولكن أعمق في المساحة من مثيلاتهنّ في فريك؛ كرسي أزرق بُعيدٌ عن المكان كما لو تُرك للتو، وورقةٌ مثبتة بحبرية تسيل فوق حافة الطاولة إلى مجال رؤيتنا، مُوقّعةً بتوقيع فيرمير—نشعر بوجود الفنان في الكرسي الفارغ.
هناك المزيد لنتأمّل: اللوحات في الخلفيات، تأثيرات الضوء المتباينة، الإيماءات، والأقمشة الزخرفية الثقيلة التي تكاد تبدو كائناتٍ حية. ولإجراء مقارنات خارج الثلاث لوحات المعروضة رافق المعرض كتالوج مصوَّر أنيق للأستاذ روبرت فوتشي، يُفصِّل مواضيع الرسائل والخادمات والمغازلة في جمهورية هولندا.
هل تبتكر فريك نمط العرض المثالي لعصرٍ يتميّز بقصر مداه الانتباهي؟ ربما يساعدنا ذلك على الانخراط أكثر مع الفن. روبرت شتاينبرغ، المؤرخ الفني والمُراقب الشهير، روى كيف تعلّم كيف يُمعن النظر في الأعمال الفنّية أثناء قصف لندن في الحرب العالمية الثانية، حين كان المتحف الوطني في لندن يعرض لوحة واحدة كل يوم ويعيدها إلى المخزن مساءً. لعلّ معارض كهذه تُعلّمنا كيف نرى من جديد، ثم نكتب إلى أحدهم رسالة عن ذلك.
يستمر عرض «رسائل الحب» لفيرمير في مجموعة فريك (1 إيست 70 ستريت، أبر إيست سايد، مانهاتن) حتى 31 أغستس. قام بتنسيق المعرض روبرت فوتشي.
ملاحظة المحرر: سياسة Hyperallergic المعتادة هي نشر صور التقطها مُراجعونا لتمثيل تجربتهم بأصالة. استُثنيت هذه المرة هذه السياسة بسبب قيود المكان على التصوير.