فيلم سرقة أعمال فنية غير مألوف

من المدهش حين تتأمل أن بإمكانك الوقوف على بُعد أقدام من لوحة لڤان جوخ في متحف الفنون الحديثة مع ما يقيك من التصرف الطائش سوى سلك بسيط وحارس وعقد اجتماعي غير مكتوب. التعريض بهذه الاعمال للفعل العام هو المقابل الذي ندفعه لنشر الفنون وإتاحة رؤيتها للجمهور بدلاً من إقفالها في خزائن أو تركها حصراً لأصِحَاب الثروات. وتحديداً هذه التوترات تشكّل قلب فيلم كيلي رايشاردت الجديد المختلف شكلاً ونسقاً “العقل المدبر”، الذي يُعرض قريباً ضمن مهرجان نيويورك السينمائي قبل طرحه تجارياً في السابع عشر من أكتوبر.

السرقات الفنية، خلافاً لصورتها المثيرة في أفلام مثل «قضية توماس كراون» أو «مصيدة»، غالباً ما تكون أبسط مما نتصور: في كثير من الأحيان يكفي نزع اللوحة عن الحائط والفرار بها. من أمثلة ذلك عملية سطو على متحف وورشستر عام 1972 التي غادرت المكان بلوحة لبيكاسو، وقطعتين لغوغان، وقطعة من مرسم رامبرانت. ولا ننسى ذروة هذا النمط من الجرائم: سرقة متحف إيزابيلا ستيوارت غاردنر عام 1990، التي لم تُنفَّذ بتجاوز أنظمة ليزر أو فتح أقفال معقدة، بل بخدعة بسيطة حين تنكّرت الجناة في زيا شرطياً وخدعوا الحراس. والتقليد يستمر؛ رايشاردت تُدرّس في كلية بارد، ومؤخراً حاول طالب هناك الهروب بلوحتين مستخدماً طائرة مسيّرة قبل أن يُضبَط—حُرِم من الحرم لكنه سُمح له باستكمال دراسته عن بُعد.

استلهمت رايشاردت من هذه السرقات «العاملة» في بناء حبكة فيلمها. حين يقرر جي بي—شخصية يؤديها جوش أوكونور—مع رفاقه استهداف متحف محلي، لا يخططون لعملية معقدة: هدفهم بضعة أعمال لآرثر دوف، المرور بجانب الحارس النائم، والفرار بسيارة مسروقة. لكن حتى هذه الجريمة البسيطة في بلدة فرامنغهام الهادئة خلال مطلع السبعينيات تصطدم بعواقب غير متوقعة ونتائج مروّعة على نحو تدريجي. واصفةً العمل بأنه «فيلم ما بعد الحدث، فيلم التفكك»، تُظهر رايشاردت تهاوي جي بي في واحد من أتعس مطاردات الهاربين التي عُرِفت في نوع أفلام السرقة، ما يجعل عنوان الفيلم يحتمل سخرية مريرة.

يقرأ  سوجين لي — بووووووم!إبداع • إلهام • مجتمع • فن • تصميم • موسيقى • فيلم • تصوير • مشاريع

رايشاردت واحدة من أنجع رويات السينما للتاريخ الأميركي؛ كل عمل فني لها يُقيِّم ويهشم أساطير، سواء في صورة الفاتح الرجولي في «خاتم ميك» أو في نقدها للقيم الذكورية في فيلم «البقرة الأولى». اختارت أن تضع قصتها في السبعينيات ليس لمجرد إضفاء طابع عتيق، بل لأن تلك الحقبة جاءت بعد عصر ازدهرت فيه المؤسسات البلدية بفضل الرفاهية ما بعد الحرب: مكتبات ومدارس وبلديات ومتاحف صغيرة نالت تصاميم معاصرة جميلة. ولأن فرامينغهام آنذاك لم يملك متحفاً فعلياً، استُخدِم مبنى مثالي لتجسيد ذلك الطراز المعماري—مكتبة تذكارية من تصميم آي.إم. باي—بواجهة من الطوب الجميلة.

اختيار الأعمال المستهدفة في الفيلم—من لوحات دوف مثل «أشكال الشجرة» و«شجرة الصفصاف» و«دبابات وكتل ثلجية» و«أصفر أزرق أخضر بني»—ليس اعتباطياً. دوف يُعتبر من رواد التجريد الأميركي، وعندما تعلن جريمة السطو يعبّر والد جي بي عن حيرته من الضجة، لأنه لا يرى لماذا تهتم الناس بهذه الرسومات أصلاً؛ إشارة إلى التحوّل المحافظ لتلك الحقبة والجو الثقافي الكئيب الذي يتعمق مع تقدم أحداث الفيلم.

تتتبع رايشاردت غالباً شخصيات متمردة أو منكفئة عن المجتمع—مستوطنو «خاتم ميك»، بطل «البقرة الأولى»، أو المتشرد في «ويندي ولوسي». وفي «العقل المدبر» يضيع جي بي في شيء أخطر من البراري: أميركا في عهد نيكسون. تتكشّف محادثاته لتبيّن أنه طالب فنون سابق غير راضٍ عن حياته الضحلة في الضواحي، ذلك النمط المتوسط الذي بُني لآلاف بعد الحرب العالمية الثانية. لكن ثمة ما هو أسوأ من حياة عائلية فارغة روحياً: مع تشديد القبضة على الاحتجاجات المناهضة للحرب ومع أصدقاء أو رفقاء لا يجدون له وقتاً أو يبيعونه بثمن بخس، يتعلم جي بي بالقسوة أن روح الستينيات قد ماتت فعلاً، وأن البديل المؤسسي قاتم أكثر بعنف اغرب.

يقرأ  ميلا أوسيشي — بووووووم!ابتكر، ألهم، مجتمع، فن، تصميم، موسيقى، فيلم، تصوير، مشاريع

يُعرض «العقل المدبر» للمخرجة كيلي رايشاردت في مهرجان نيويورك السينمائي من 27 سبتمبر حتى 23 أكتوبر، ويُفتَتَح عرضه التجاري في دور السينما في 17 أكتوبر.

أضف تعليق