في جولة مع مات فوري — مجلة «هاي-فروكتوز»

على باتريون يقول فوري: «من الجميل أن أنشر أعمالي لدى جمهور يتفاعل فعلاً مع المحتوى، وليس فقط يتصفح بينما يُقحمونه بإعلانات متكررة. أكره إنستاغرام، لكني أحب أن أشارك فنّي؛ وبهذا الخيار يكون الأمر منطقياً. إنه نافذة لأعرض عملي وعملية صنعه من دون كل السلبية التي يثيرها المتفرجون السطحيون والـتروولز والإعلانات المتطفلة. لدي تسعة متابعين وجميعهم لطفاء!»

خروج فوري الطوعي من وسائل التواصل الاجتماعي لم ينبع فقط من تجاربه خلال العقد الماضي، بل أيضاً من قراءات حديثة. سألته عن منشور على باتريون قال فيه إن وسائل التواصل «تكره أرواحنا»؛ كانت اقتباساً حرفياً. وعن كيف أثر ترك إنستاغرام وفيسبوك ومنصات أخرى على عمله أجاب: «الحجة الأخيرة في كتاب جاريون لانير “عشر حجج لحذف حساباتك على وسائل التواصل الآن” بعنوان “وسائل التواصل تكره روحك”. أنصح به من يريد التحرر من الجذب القهري لعجلة الإعجابات والمشاركات والسيلفي التي لا تنتهي. ممارستي الفنية كانت دائماً قهرية، لذا لم تتغيّر. أنا في هذا الطريق طويل الأمد، لنفسي، لأترك بصمتي قبل أن أموت.»

«دائماً ما أتصارع مع طفلي الداخلي، ومع غضب مراهقتي، ومع بحثي الداخلي عن السلام والحب. إنها الثالوث المقدّس في ممارسة فني.»

سواء في معارضه أو أعماله التجارية أو كتابه للأطفال الصادر عام 2013 “فارسوا الليل”، فإن انجذابه إلى الشخصيات المجسّمة والمأنسة لا يغيب. عروض في معارض مثل ليفت فيلد في لوس أوزوس وذانك يو جاليري في نورفولك بولاية فرجينيا وغيرها نقلت وحوشه الزاهية إلى جدران في أنحاء البلاد. أعضاء فرقة “نادي الأولاد” الذين ما زالوا أحياء—آندي وبريت ولاندوولف—يخوضون أحياناً مغامرات كوميكس أيضًا. (قضى فوري على شخصية بيبي في 2017.) أعماله الحديثة باتت أكثر سيكييدلية من أي وقت مضى؛ صفحات متلوية ومزدحمة تحمل كائناته المتدفقة. يبدو أن هذه الأشكال—داخل اللوحات أو صناديق الكوميكس السوداء أو التحريك—هي المسار التعبيري الأهم لديه.

يقرأ  في رحلة واحدة إلى أعماق البحرباحثون يكتشفون نوعين جديدين — قرش وسرطان بحري صغير

محبته لإضفاء ملامح إنسانية على مخلوقات برية أو أسطورية سبقها شغفه بترتيب الدمى والألعاب في متاجر التوفير: «الأطفال لديهم ارتباط فطري مع الحيوان وشعور ملهم بالدهشة،» قال فوري. «دائماً أتصارع مع طفلي الداخلي، ومع غضب مراهقتي، ومع بحثي عن السلام والحب. إنها الثالوث المقدّس في ممارستي الفنية. الحيوانات المأنسة والمخلوقات الشبيهة بدمى الموبت تتفوق في قدرتها على تجاوز حدود العِرق والتواصل مع عدد أكبر من الناس. كما أن هناك متعة في اختلاق الأشياء—رسم الفراء والريش والحراشف والأسنان والعيون والكتل الذائبة والشوك المتنابه والمَواد اللزِجة الممتلئة بالتدفق. في ذلك فرحة. أنا إنسان لكني أشعر بارتباط بكل المخلوقات البرّية وحنين لأن أكون متوحشاً، والتأنيس هو طريقتي في التعبير عن ذلك.»

الوصلة الطفولية إلى شخصياته بدا واضحاً جداً في “فارسوا الليل”. في تلك الحكاية البديعة الخالية من الكلمات، يشرع ضفدع وجرذ في مغامرة ليلية تنتهي بتجمع حيوانات ليلية تحت شروق الشمس. مرت سبع سنوات على صدورها عندما تحدثنا، لكني أردت أن أعرف إن كان يفكر في الرجوع إلى ذلك الشكل بعد كل ما جرى. بالمصادفة كان قد تحدث لتوه مع دار ماكسويني، ناشر “فارسوا الليل”، عن فكرة العودة لذلك الشكل. رغم أنه ما زال في مراحل التخطيط، قال: «الفكرة مستوحاة في واقع الأمر من الكاتب والفيلسوف التقني جاريون لانير الذي ذكرتُه سابقاً. هو يصف الأيام الأولى للواقع الافتراضي باندهاش وروعة، شيء يشبه مخلوقات حشرية متلألئة بلورية تزحف على السحب—نافذة إلى خيال ثلاثي الأبعاد وعالم الأحلام. أريد أن أقص حكاية عن فتاة صغيرة تمتلك مجموعة من الأقنعة التي تنقلها من عالم رمادي إلى فانتازيا شبيهة بـ”ساحر أوز”… ما زلت أبلور الفكرة.»

«لا هدف حقيقي محدد. أحب أن أفترض أنها تتحسّن مع تقدمنا في العمر…»

يقرأ  صور من العالم الحقيقي

اقتباس من عمل لانير عام 1996 يتماهى مع موقف فوري العام تجاه البشرية: «يجب أن نTreatu أجهزة الحاسوب كهواتف فاخرة، هدفها ربط الناس. المعلومة هي تجربة مغتربة. المعلومة ليست شيئاً قائماً بذاته. في الواقع، الحواسيب لا توجد حقاً كما هي؛ إنها خاضعة لتفسير الإنسان. هذا إنسانية أولية قوية أروّج لها. طالما تذكرنا أن مصدر قيمتنا وإبداعنا وإحساسنا بالواقع هو نحن أنفسنا، فإن كل تعاملنا مع الحاسوب سيكون مفيداً وجميلاً.»

إلى جانب المراحل الأولى لمشروع لانير، يعمل فوري أيضاً مع زميَين—سكنر وويل سويني—على كتاب مستوحى من “فاسيتازم” لتشارلز بورنز وغاري بانتر، مجموعة من الوجوه المقسومة التي رسمها الفنانون ويمكن إعادة تركيبها لتنتج أكثر من سبعة آلاف «تحوّل محتمل». تعاون فوري على مر السنين مع عدة فنانين، منهم ألبرت رييس والمحرّك جوزيف بينيت وزوجته أيانا أودسن. (عن مشروع سكنر وسويني: «من الممتع التعاون مع أصدقاء وابتكار مشاريع جديدة مع أشخاص أُعجَب بهم،» أضاف. «إنها وسيلة رائعة للتنويع.») صدر “فاسيتازم” عام 1997 كامتداد لكتب الوحوش من عقود سابقة، طريقة للأطفال ليأخذوا خيالات هؤلاء الفنانين البرية ويخلقوا وحوشهم الخاصة. وجود ثلاثة فنانين مثلهم في هذا المشروع الجديد يَعِد بآلاف من التركيبات وبنتائج برية بحق.

تلك الفكرة عن ابتكار شيء جديد قادتني إلى سؤالي الأخير الذي ترددت قبل طرحه لكن شعرت بأهميته، بينما يمضي الفنان قُدُماً بعد الوثائقي الكبير عن تجاربه مع بيبي الضفدع. أردت أن أعرف عن عملية صنع وجوه جديدة يمكن أن تُنتزع منه يوماً ما. يخترع شخصياتٍ جديدة باستمرار، لكن هل جعلته تلك الرحلة أكثر حرصًا على مخلوقاته؟ أم أنه، لحماية نفسه، أصبح أكثر تباعدًا عنها؟ كما في بقية محاور حديثنا، ردّ على السؤال بروحٍ من الوعي الذاتي والتعاطف.

يقرأ  غابرييل بيجانيتواجه حزن مشاهدة قصف إسرائيل عن بُعد

«أنا جامع بطبعي، ويسرُّني أن نعيش في عالمٍ وفير»، قال فوري. «ابتكار شخصيات جديدة طريقةٌ لأجمع «أشياء» من دون أن أجمع أشياء مادية حقيقية. الرسم ممارسة؛ لا هدف حقيقي محدد. أحب أن أعتقد أنه يتحسّن مع تقدّمنا في العمر. أستمع إلى الموسيقى، ويبدو أن للموسيقى البوب ذروتها؛ الفنانون يبلغون ذروتهم ثم ينحدرون. أما الرسم فكلما مرّ الزمن صار أفضل وأفضل. للرد على سؤالك، لستُ مهتمًا فعلاً بـ«حماية» شخصياتي. سيكون غريبًا لو كرّرت رسم صليبٍ معقوف آخر. الاحتمالات تصب في صالحي! لقد اصابني صاعقةٌ من قبل، فلا بأس عليّ.»

فلنأمل ذلك.*

نُشر هذا المقال أصلاً في العدد 57 من مجلة Hi‑Fructose، وقد نفد ذلك العدد. ادعموا عملنا واحصلوا على اشتراكٍ جديد في Hi‑Fructose هنا. شكرًا لقراءتكم.

أضف تعليق