بين السطور: فنون السجن والدفاع عنها
السياق الإنساني في السجون يتقلص ويتضيق؛ ومن أبرز بوابات الهروب منه فعل الخيال. ذلك ما يبرزه طائر نسر ورقي مطوَّى بعناية وكأنه يستعد للإقلاع، في معرض “بين السطور: فنون السجن والدفاع عنها” بالمتحف الدولي للفنون الشعبية في سانتا فيه. نَسْج العمل يعود إلى ديان شون لين، المعتقلة بعد أن جنحت السفينة التي كانت تقلّ مئات طالبي اللجوء الصينيين إلى شاطئ نيويورك عام 1993 — عمل “النسر” (1993–1996) رمزٌ لشوقٍ إلى الحرية سواء من وطنٍ قمعي أو من زنزانة السجنن. عبر هذا العمل ومشروعات أخرى كثيرة، وبمرافقة شهادات مباشرة من الفنانين أنفسهم، يدرك المشاهد مدى أهمية العملية الإبداعية للفهم الفردي والاجتماعي، وكيف يمكن لمثل هذه المواجهات أن تولد تعاطفاً عميقاً مع الواقع القاسي والأحكام الطويلة التي يُجبر كثيرون على تحملها.
الترتيب المعماري للمعرض مفتوح ومساحته تتسم بنسق لوني هادئ، بعكس الظروف الضيقة والمقسَّمة والقاسية للمنشآت العقابية، ما يجعل الأعمال أقرب إلى متلقيها ويمنع تغليظها أو تحويل الفنان إلى شيء غريب. مجموعة الأعمال واسعة ومتنوِّعة: من النحت (تكثر تمثيلات الحيوانات) إلى المجوهرات، والملابس المنقوشة، والجداريات، ورسومات الحبر على القماش (paño arte). ومن المتوقَّع، نظراً لندرة الموارد في سياقات الإبداع هذه، أن تُصنع القطع من مواد معاد توظيفها بذكاء: أكياس الوسائد، وخيوط الجوارب، والمناديل، وأغلفة الحلوى، وعلب السجائر، وعيدان الثقاب. هذه البراعة في استثمار الخردة تصل أحياناً إلى درجة العبقرية: في فيديو يشرح وشم السجناء، تقوم الفنانة السابقة السجينة كانديس مارتينيز بتفكيك مجفف شعر وإعادة استخدام ولاعات السجائر وأقلام الحبر لابتكار مسدس وشم، وتستعرض كلمة “شجاعة” منقوشة على قدمها.
في حالات نادرة، يصير بعض المبدعين المسجونين معروفين على نطاقٍ واسع. يضم المعرض رسماً كبيراً على كيس ورقي للفنان الخارجي الشهير مارتن راميريز، وتمثالاً صغير الحجم لمشهد محكمة للفنان من بوبلو تيسوكه مانويل فيجيل. غير أنّ كثيرين آخرين، حتى لو لم يحظوا بشهرة عالمية، يحققون اعترافاً عائلياً أو مجتمعياً بأعمالهم — وهو عنصر أساسي في استعادة العلاقات الاجتماعية لأولئك “القابعين مدة”. كمثال عملي، يفرح الفنان المسجون جيري تابيا، في أحد الفيديوهات، من دخله المادي من الفن لأنه يضمن ألا يضطر لـ”طلب المال من عائلتي”.
المعرض طموح في امتداده الجغرافي ونطاقه التاريخي: هناك ركن صغير مكرس للأميركيين من أصل ياباني الذين سُجنوا خلال الحرب العالمية الثانية، وقِطع نحت خشبية من بدايات الألفية الثانية من بالاو موقعة باسم “بايو ر.” تشير إلى مدى انتشار وتطبيع أنظمة الاعتقال عبر العالم. وعلى الرغم من تركيز التمثيل على فنانين أكثر عصرية في مؤسسات جنوب غرب الولايات المتحدة، يسلط العرض الضوء على هموم أوسع: ظروف قاسية، اغتراب، وترقُّب لنتائج إنسانية أفضل.
قضايا أوسع متعلقة بالاعتقال، مثل عنصرية جهاز العدالة في الولايات المتحدة، لا تُطرح بصراحة في المعرض. كما لا تُطرح أسئلة أكثر قوة مباشرةً مثل: “لمَ السجن؟” هل هو عقاب فحسب؟ إعادة تأهيل؟ أم لأمن مجتمعي أفضل؟ ومع غياب خطاب صريح عن إصلاح السجون أو إلغائها، يلمّح المعرض إلى أن تقديراً رسمياً أكبر لفنون السجون قد يسهم في استعادة العدالة بصورة أعمق من قيود الحبس السائدة اليوم.
منذ 2012، أظهر برنامج البرازيل “التخفيض بالقراءة” نتائج ملموسة عبر تقليل عقوبات السجناء إذا قرأوا كتباً وكتبوا تقارير عنها، ما أفضى إلى انخفاض ملحوظ في معدلات العودة إلى الجريمة. يقترح المعرض، عبر عرض مسارات تطوير المهارات وبناء المجتمعات بين المسجونين، أن ثمة إمكانية لتطبيق منطق مماثل على الممارسات الفنية. بدلاً من أن يبقى الفنانون مطالبين دائماً بسداد ذمم الماضي، يمكن دعمهم لخلق وبناء واستعادة مستقبل أفضل عبر أفعال بنّاءة في الحاضر.
المعرض مستمر في المتحف الدولي للفنون الشعبية في هضبة المتحف — سانتا فيه، نيو مكسيكو — حتى 2 سبتمبر، وهو من تنظيم المتحف نفسه.