كور بور استعادة هندسة التجريد

لوس أنجلوس — بالنسبة للفنان كور بور، كان تحدّيه للكون الكنسيّ لتاريخ الفن الأوروبي‑الأمريكي مسعى استمرّ عقداً من الزمن. في 2015 شرع بمشروع بحثي حمل عنوان «إعادة اختراع التجريد 1910–1925» نُشر لاحقاً على شكل زين وزُيّع بمناسبة معرض في سان فرانسيسكو عام 2017. عنوان الزين يقلب قراءة متحف الفن الحديث للزمن نفسه؛ المعرض الذي أقامته المؤسسة في 2012–2013، وادعى أن الفترة المذكورة تشكّل بدايات تاريخ التجريد وأنّه اختراع غربي. ردّ كور بور على هذه الرواية بتعليقات قاطعة على كاتالوج المعرض: ظلّ يميّز فقرات النص بالأصفر ويصحّحها بحبر أحمر، واضعاً في الهامش سؤالاً بسيطاً ومباشراً على ادعاءات المدير السابق غلين لوري بأن «التجريد قد يكون أعظم ابتكارات الحداثة» وأن الأعمال «ظهرت فجأة» قبل نحو قرن، فسأل ببساطة: «حقاً؟»

خلال زيارتي لاستوديوه في إنغلوود بمدينة لوس أنجلوس في يناير، بيّن بور أن خلفية لوري الأكاديمية في تاريخ الفن الإسلامي تجعل من ادعائه بتفرد الغربيين اختراع التجريد رواية ناقصة. عنده، التجريد يصوّر مبادئ أساسية للعالم الطبيعي، وادّعاء أن الأوروبيين «اخترعوه» في مطلع القرن العشرين أسطورة يجب نفيها. بور، المعروف بلوحاته الضخمة فائقة الواقعية لسجادات فارسية، يستعير بانتظام رموزاً بصرية من التراث الفارسي والإسلامي، إلى جانب مردودات من فن الخشب الياباني والفنون الشعبية الكورية، مستخدماً تقنيات مختلفة تشمل الرسم الأكريليك، النقش اليدوي على البلوكات، السلكسكرين، والنحت على القماش.

إلى جانب شكوكياته المكتوبة على هامش كاتالوج «اختراع التجريد»، قصّ وألصق بور استنساخات لأعمال من هامش التاريخ الفني الغربي — مثل مخطوطات فارسية وبلاط إسلامي — مباشرة على صفحات الكتاب. في صفحات الزين وضع رسومات هندوسية طانتريّة تعود إلى القرن الخامس والسادس جنبا إلى جنب مع «المربع الأسود» لكازيمير ماليفيتش (1915)، فكانت القواسم البصرية بينهما متقاربة إلى حدّ يصعب التمييز. في صفحات أخرى جمع أقمشة الإنكا مع تكوينات دي ستايل لبيت موندريان، ووضع مخطوطات فارسية بجانب لوحات مضلعات غير منتظمة لفرانك ستيلا — جميعها تضع في مقارنة بصريّة ما يُقَدَّم عادة باعتباره «تجريباً» غربيّاً أصيلاً.

يقرأ  للفنان داريل كاري:كلّ شيءٍ يبدأُ بخطٍّ واحدٍ

السلسلة الأحدث لبور تتكوّن من قماشات مُشَكَّلة بدأها في 2022 ضمن سلسلة «هندسة + عمارة» (2018—مستمرة). الأعمال الأكريليكية التي عُرضت لأول مرة في فبراير بمعرض نازاريان كورسيو تحت عنوان «إيجاد طريقي إلى البيت» تشكل ثمرة هذا البحث التدخّلي في التاريخ الفني غير الرسمي. يقول بور: «بمعانٍ عدة، جاء هذا العرض نتيجة عشرة أعوام من العمل. حقيقة أن تاريخ الفن الغربي استقى من ثقافات بصرية متعددة حول العالم هي سمة حاضرة دائماً في عملي».

أثناء تحضيره لسلسلة «هندسة + عمارة» اطلع على مقال عالمة الفن سارة‑نيل سميث الصادر في 2022 حول رحلة فرانك ستيلا التكوينية إلى إيران عام 1963. أكّد بحث سميث الرابطات الشكلية التي اقترحها بور في زينه منذ 2015: شكل ستيلا المضلع غير المنتظم في منتصف الستينات جاء متأثراً بتجربته مع العمارة الإسلامية في إيران، ولا سيما ضريح سلطانية من القرن الرابع عشر. رغم تأكيد ستيلا آنذاك أنه «بدأ ينفكّ من الفن الإسلامي»، عاد إلى نيويورك بشغف متجدّد لتجريب لغته الشكلية، مستخدماً ما امتصّه من العمارة الإسلامية كخريطة انطلاق.

لوحات بور المكوّنة من قماشات مشكّلة تدخل في حوار مع أعمال ستيلا وشخصيات أخرى من قانون الحداثة، وتفكك هذا القانون من الداخل. ينسج أيضاً عناصر سيرة ذاتية في أعماله تعكس خلفيته البريطانية‑الإيرانية، ويشير بسخرية إلى التدخّلات السياسية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة في غرب آسيا وشمال أفريقيا. مثلاً، في لوحة بعنوان «لعيونك فقط» (2024) ضمّ أوراقاً مخطوطة وحُجبت أجزاء منها من سجلات الـCIA المتعلّقة بانقلاب دعمتْه الولايات المتحدة في إيران ضد رئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953. وفي لوحة أخرى، «وقعت في حُب أجنبي (بي.بي.)» (2024)، طبع صورة لشخصه مع والديه أثناء نزولهم من طائرة بعد وصولهم لوس أنجلوس لحفل زفاف عمه عام 1989، وعلى الخلفية يظهر شعار شركة بريتيش بتروليوم — الاسم الذي تحوّل تاريخياً من Anglo‑Persian Oil Company. لاحظ الفنان لاحقاً الشعار وقال: «لم أدرك وجود شعار بي.بي. في الخلفية إلا مؤخراً. إنها صورة عائلية مثالية لأني أربط تاريخي الشخصي بتاريخ بريطانيا وإيران». عندما أمم مصدق النفط الإيراني في 1951 حاول البريطانيون، بمساعدة أمريكية، إفشال خطته؛ وفي اللوحة يكرر بور رمز هيليوس من شعار شركة النفط باستخدام الأكريليك، ولطَّخ القماش المُشكل بأكياس شاي من ماركات بريطانية وإيرانية كإشارة إلى تراثه المزدوج.

يقرأ  فندق ومتحف 21C في بينتونفيل يفتح آفاقاً جديدة في الأوزارك

في عمل بعنوان «جاسبر» (2024) يفكك بور العلم الأمريكي ويحيي ذاكرة جاسبر جونز، الذي يحمل اسم الابن، وهي حالة طريفة لأن هذا الاسم أصله فارسي ويعني «الخازن». في مركز العمل يوظّف الزخرفة والنقوش، بما في ذلك سداسيات هندسية ونجوم سداسية تُذكّر ببلاط العمارة الإسلامية؛ واللوح الخلفي الذي يحوي شرائط عرضية من الطلاء البرتقالي يرجع بصرياً إلى سلسلة ستيلا «نجم فارس» أواخر الستينات.

رغم أن استكشاف بور للتلاقحات الثقافية قد يكتسب طابعاً حنينياً ورومانسيّاً في أحيان كثيرة، فإنّه يستحضر أيضاً ذكريات العنف. وصفه لعمل «قيد الإنشاء» (2025) خلال زيارتنا إلى الاستوديو أعاد إلى ذهني حكاية جدّتي عن بندر أنزلي — مدينة مينائية إيرانية احتلّتها وتناوبت عليها القوات السوفييتية في مطلع القرن العشرين. تذكر أن الفتيات الشابات كنّ يحجبن أنفسهنّ داخل المنازل خشية الجنود الأجانب الذين كانوا يمدّون أصابعهم أو أفواه بنادقهم عبر الأبواب والنوافذ المشبكة للاستهزاء والمغازلة.

عنوان وتكوين «قيد الإنشاء» يستحضر قماشات سالمالزملية السوبريميتية لماليفيتش. في العمل أعاد بور تركيب فسيفساء بمقياس حقيقي مأخوذة من مقتنيات متحف متروبوليتان تصور مشهداً لحديقة فارسية، ووضع فوقها مستطيلات قماشة يسميها «قضبان سوبريميتست» تعيق الرؤية؛ فتحوّل المشاهد إلى متلصص ينظر إلى تجمع حميم لم يُدعَ إليه. التراكب بين مناهج شكلية ومرجعيات ثقافية متباينة في «قيد الإنشاء» يجسّد أطروحة بور لهذه المجموعة الجديدة: ما نعتبره قانونياً أو «كانونيّاً» غالباً ما ينبني على ثقافات بصرية من العالم غير الغربي التي سبقته.

بينما اعترف معرض «اختراع التجريد» بمقوّمات الوسائط الحديثة التي جعلت الوصول إلى ثقافات أخرى أسهل — مثل الطائرات والقطارات والسيارات — يرى بور أن مؤرخي الفن والمنظّمين أغفلوا الاعتراف بواقع الاستخراج الثقافي الأوروبي. وللفنّانين غير الغربيين في القرن العشرين الذين خرجوا من ظلال الاستعمار، لم يكن الفن الحديث نقيضاً كاملاً للتقليدي أو المحلي، بل امتداداً منطقياً له. قماشات بور المشكّلة في سلسلتي «الهندسة والتجريد» تدفعنا لإعادة التفكير في الدور المحوري الذي لعبه الفنانون والحرفيون الموصوفون بـ«غير الغربيين» في تشكيل الحداثة، وفي إعادة تموضعهم داخل سردية تاريخ الفن.

يقرأ  كولاجات ورقية نابضة بالألوانللورانس ميجو — تستكشف الحياة اليومية وعمق النفس البشريةكولوسال

«إذا كان ستيلا واحداً من أشهر الفنانين الأمريكيين وتأثّر إلى هذا الحد برحلته إلى إيران، فذلك أمر يستحقّ أن يُقال»، يختتم بور. «الأشياء التي نعتقد أنها أمريكية خالصة كثيراً ما تكون متأصلة في تأثيرات من أماكن أخرى».

أضف تعليق