يوم الأحد، نحو التاسعة والنصف صباحًا، دخل لصّان إلى جناح أبولو في متحف اللوفر الباريسي بواسطة رافعة بمنصة (cherry picker) واستخدما قاطع زاوية ليتسبّبا في سرقة تسع قطع مجوهرات قُدِّرت قيمتها بنحو 102 مليون دولار خلال أقل من ثماني دقائق. هل كان بالإمكان تفادي هذه السرقة؟ تواصلت ARTnews مع خبراء لمعرفة الأسباب والدروس المستفادة.
الغالبية اعتبرت أن مثل هذا السرقة يمكن أن تقع في أي مكان. جيمس راتكليف، مدير استرداد الممتلكات والمستشار العام في سجل فقدان الأعمال الفنية، وصف الحادث بأنه «قضية استغلال فرصة حيث تُتاح». وأضاف: «سأستغرب لو لم يفكروا بمتاحف أخرى. نعلم أن متاحف فرنسية أخرى كانت مستهدفة».
مقالات ذات صلة
على الأرجح كان يشير إلى متحف التاريخ الطبيعي في باريس، الذي تعرَّض للسرقة قبل شهر واحد من حادثة اللوفر، وقد وُجّهت تهمة إلى امرأة بصلته بتلك السرقة. وفي اليوم نفسه الذي سُرِقت فيه مجوهرات اللوفر، تعرَّض بيت التنوير دينيس ديدرو في لاندريس للسرقة أيضًا.
ولا يقتصر الأمر على فرنسا. سرقت هذا العام مجموعة من القطع الثمينة من رومانيا من متحف درنتس في أسن بهولندا، ولا تزال هذه القطع مفقودة. وفي 2019 سُرقت مجوهرات التاج في دريسدن بألمانيا، لكن لحسن الحظ تم استرداد معظمها وأُعيد عرضها. وفي ذات السنة نُقلت مرحاض موريتسيو كاتيلان الذهبي عيار 18 قيراطًا من قصر بلينهيم في إنجلترا ولم يُستعد حتى الآن.
للأسف، رغم وجود أنظمة أمنية في العديد من المتاحف، فإنها ليست دائمًا منيعة. وفي حالة اللوفر، بُقيت مخاوف الأمن دون معالجة حتى فات الأوان. ففي يونيو اضطر المتحف إلى الإغلاق بعد أن نفّذ عدد من موظفي القاعات ووكلاء التذاكر وضباط الأمن إضرابًا احتجاجًا على ما وصفوه بنقص الكوادر. وأضاف موظفو اللوفر أن المخاوف الامنيه أدت إلى ظروف عمل «لا تطاق».
«ما تقصر فيه المتاحف غالبًا هو التدريب وإجراء التدريبات العملية على كيفية التعامل مع هذه الحالات في حال وقوعها»، قالت ماري-كلوديا خيمينيز، شريكة ورئيسة عالمية مشتركة للمحاماة الدولية في مكتب Withers.
واعترفت خيمينيز بأن المتاحف تواجه معضلة صعبة: «من الصعب على المتاحف الموازنة بين هدفين متضاربين بطبيعتهما: الأمن وإتاحة الوصول. من الصعب جدًا للمؤسسات العامة والخاصة المفتوحة للجمهور أن تحدد كيف تقلل من سبل مشاهدة وتفاعل الناس مع المعروضات دون المساس بمهمتها».
وفي جلسة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي، طالبت مديرة اللوفر لورانس ديه كار بإقامة «مركز شرطة» داخل المتحف بعد السرقة. على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية خُفّضت نحو 200 من بين ما يقرب من 2000 وظيفة في المتحف، بما في ذلك تخفيض 138 عنصر أمن بين 2014 و2023.
لكن حتى حضور أمني مكثف قد لا يضمن منع السرقة. تساءل راتكليف: «حتى لو وُجد حارس في الغرفة، ماذا كان سيفعل حين يواجه رجلين مزوّجين بمنشارين كهربائيين؟» فالحراس قادرون على رصد التهديدات المحتملة للأعمال الفنية لكنهم ليسوا دائمًا مسلّحين.
تساعد تقنيات المراقبة، بالطبع، لكن لها حدودها. جربت مؤسسات ما سابقًا استخدام أجهزة تتبع GPS داخل إطارات اللوحات، لكن هذه الوسيلة أثبتت ضعفها: فاللوحات يمكن نزعها من إطاراتها بسهولة، ومن الصعب تضمين متتبعات داخل القماش دون إلحاق ضرر به. ورأى بعض الخبراء أن على المؤسسات الفنية أن تتجاوز هذه الوسائل التقليدية وتستلهم استراتيجيات من قطاع التجزئة الفاخر.
سيمون دي بورغ كودرينغتون، خبير تأمين الفنون الجميلة في Risk Strategies، لفت إلى أن فرنسا لديها تاريخ طويل من ما وصفه بـ«سرقات المجوهرات الراقية في باريس». وربما لم تكن مصادفة أن هذه السرقات جرت في متاحف لا في محلات المجوهرات: «ربما اختاروا مؤسسة ثقافية لأن إجراءاتها الأمنية ليست صارمة كإجراءات بُلغاري أو بعض دور المجوهرات الكبرى».
وأضاف أن المؤسسات الثقافية تأخرت أمنيًا عن المؤسسات التجارية لأنها لم ترفع من مستوى حمايتها كما فعلت الأخيرة، و«عليها أن تستفيد من كتيّب إجراءات كبار صانعي المجوهرات».
وليس هناك حل واحد سحري؛ بل اقترح دي بورغ كودرينغتون اعتماد ما أسماه «طبقات البصل الأمنية» والتي تشمل إجراءات متعددة مثل صناديق عرض عالية الجودة، وكاميرات ومراقبة تلفزيونية مستمرة، وإنذارات، وتعزيز حراسة المواقع، وحتى نقل بعض القطع إلى مواقع أكثر أمانًا: «ربما لا ينبغي أن تكون قطع المجوهرات عالية القيمة على محيط المبنى».
تقرير رسمي أُعد قبل السرقة أشار إلى أن أنظمة أمن اللوفر اعتُبرت قديمة وغير كافية، وأن المتحف يفتقر إلى أجهزة مراقبة فعالة. وقد تأجلت عمليات التحديث مرارًا، ولم تُنفّذ إلا في قاعات أعيد تأهيلها. أكّد كل من متحف اللوفر والحكومة الفرنسية أن منظومة أمن المتحف لم تُخْفَق بعدَ تسريب نتائج التدقيق.
وركّزت دي بورغ كودرينغتون على أن المؤسسات والحكومات بحاجة إلى التوقّف عن النظر إلى هذه القطع باعتبارها مجرد رموز ثقافية. فبينما تمثّل غالبًا إرثًا لا يقدّر بثمن، فإن مادياتها تحمل قيمة قابلة للتقدير والحساب، ما يجعلها هدفًا جذابًا للصوص الباحثين عن مكاسب سريعة.
فيما يتعلق بعمليات الاسترداد، قال راتكليف إنّ اللوفر والسلطات الفرنسية اتّخذتا القرار الصحيح بنشر لائحة ما سُلب على الفور؛ ذلك يصعّب قليلاً على من يحاولون إذابة الذهب أو إعادة قطع الماس لتدويرها في السوق.
ولكي تسوء الأمور أكثر، ذُكر أن القطع المسروقة من اللوفر لم تكن مؤمّنة. وقال خبير سرقات الفن أنتوني أمور: «يجب على المتحف أو الدولة أن يبدأوا بالتفكير في عرض مكافأة مالية كبيرة» كوسيلة لردع اللصوص عن تفكيك هذه القطع، لأنهم سيجدون طريقًا معقولًا لاستثمار جريمتهم، والأهم هو استرجاعها.
وأضاف أمور أن محامياً، يخضع لخصوصية العلاقة مع موكله وسرية واجبه المهني، قد يتولى نظريًا التفاوض على مثل هذا العرض دون أن يُورِّط اللصوص قانونيًا.
وحذّر راتكليف أيضاً من وجود أسباب بديهية وسياسية قد تبرّر عدم عرض مكافأة؛ إذ لا ينبغي أن تُشجع مثل هذه الأفعال في المستقبل.