لا شيء مخفي منحوتات جين يونغ يو

تجسد إبداعاتها أولئك الذين اختاروا الانعزال عن الآخرين، كأنهم كائنات غير مرئية أو لا وجود لها. بدلاً من الخضوع لنسق المجتمع البشري، ينصرفون إلى فضاءهم الخاص ويتحاشون مقاطعات العالم الخارجي.

بلغت رؤية جينيونغ ورسالتها وتقنياتها أوجها في عملها عام 2008 بعنوان «عائلة متنكرة». في معرض فردي أقامته في اتحاد المعارض بلندن، استخدمت وحدة الأسرة كمجهر صغير لتمثيل المجتمع ككل، ففحصت بدقة السبل المتعدّدة التي يخفي بها الناس أنفسهم، واستعملت مفهوم «المنزل» كمرادف لمكان الهروب. كان المعرض عن الخفاء بقدر ما كان عن الكشف.

تقول جينيونغ: «تبدأ عائلة متنكرة من وضعٍ يضطرّ فيه الأشخاص الشفافون، الذين يريدون الاختباء فقط، إلى استقبال ضيوفهم. تحاول هذه الأشكال أن تبدو عادية، كأي عائلة سعيدة: تزيِّن المكان، ترتدي ملابس فاخرة، وتقف متراصفة لتحيّي الحضور. من النظرة الأولى تبدو جميلة، ولكن لا يمكنك أن تتغاضى عن الجوّ الكئيب. كل الحوارات والتحايا تفتقر إلى الإخلاص والصدق، مما يضع الجميع في الحفل في موقف محرج. إنها تعكس الصراعات الناجمة عن انعدام التواصل داخل العائلات وفي المجتعم».

بذاتها، تفتح فكرة اللاّمرئية باباً على عدة تناقضات. الفرد غير المرئي لا يرى من الآخرين، والجسد يصبح حاجزاً يبقي الآخرين بعيداً. في الوقت نفسه تمنح اللاّمرئية قدراً من الحرية والقدرة — فماذا قد تفعل لو كان الضمانُ أنك ستبقى مجهولاً؟ لكنّ هذه المزايا تتحوّل إلى عيوب أيضاً: من يُجعل غير مرئي يعيش منفرداً بلا رفق أو سلوان، بلا صديق أو عدو. اللاّمرئية خليط من حرية وفخ، وما يفرضه هذا على التساؤل: هل هي نعمة أم نقمة؟

تدرك جينيونغ هذا التناقض، وغالباً ما تتحدث بصيغة الشخصية لتوصيف الاضطراب الداخلي لتماثيلها. «الجسد الشفاف يعني درعاً كاملاً يمكنه الاختباء في أي مكان، بينما الوجه الباكٍ يشكّل تحذيراً: ‹لا تقترب مني!›. تدافع تماثيلي بوجوهها الباكية، فتمنع الآخرين من الاقتراب. وإن اقترب أحدهم محاولاً مواساتهم فقد يفجّرهم ذلك بالبكاء. ومع ذلك، لا يستطيع الناس أن يتجاهلوا وجوههم، فتبدو التماثيل وكأنها تقول: ‹تعال إليَّ إن استطعت أن تواسيني من كل قلبك!› إنها علامة رفض وتحذير لمن يحاولون المساعدة دون فهم كامل لموقفهم.»

يقرأ  «التفكير المختلف قوة خارقة»سيمون ديكسون: كيف أُسست ديكسونباكسي

كيف نحكم على كل ذلك؟ هل الصراخ والمواجهة أفضل أم الاختباء في الزاوية بابتسامات مرتبكة؟ هل أن تكون صريح القلب أفضل من ارتداء قناع؟ كحال أي نقاش حول الهوية أو الانصهار الاجتماعي أو الفردية، يصعب الوصول إلى حجة قاطعة. كل ما أعرفه أني حين أنظر إلى أحد الأشخاص غير المرئيين عند جينيونغ، أجدهم مألوفين لديّ؛ أفهمهم لأنني أعرفهم بنفسي.

عمل جينيونغ موجه إلى المنعزل في داخل كل منا، إلى أولئك الذين يعيشون خارج العالم وفي ذات الوقت يجدون راحة في عالمهم الخاص ويشتهون إظهار ذاتهم الحقيقية: ذات خالية من الكذب والتصنع. رغم روعة العمل وتفاني الفنانة، يكمن هدف تماثيلها غير المرئية في مطاردة غريزية لاكتشاف الفرد الصادق والاحتفاء به داخل كل واحد منا.

عندما أسأل جينيونغ كيف تعبر عن فرديتها، تأتي الإجابة راسخة ونقية: «أُعبّر عن أفكاري وآرائي من خلال عملي. هذا يكفيني. أحب أن أبدو عادية. أينما ذهبت أو من قابلت، أريد أن أظهر عادية — مدموجة مع الناس، لا متألقة كثيراً ولا رثة. أؤمن أن من يفكر ويتصرف ويعبّر بطريقته الخاصة والجديدة سيجعل حياته أكثر تنوّعاً ومملوءة بتجارب للتمتع بها.»

ظهرت إعمال جينيونغ مؤخراً في العدد الثالث من مجموعات “هاي-فروكتوز”. ادعموا ما نقوم به واشتركوا لتحصلوا على نسخة مطبوعة من المجلة.

أضف تعليق