للفنان داريل كاري: كلّ شيءٍ يبدأُ بخطٍّ واحدٍ

«قد تكون هذه القطعة نفسها»، هكذا أدرك أهمية الشريط الشبكي. «لا يجب أن تظلّ حبيسة الخلفية فقط.»

«كيف سيتلقى الناس هذا العمل؟» سأل كاري. «هذا هو الشاغل الأساسي في ذهني عندما أصنع قطعة.» يأمل أن يلتقي المشاهدون بفنه فيتغيروا، ولو بصورة طفيفة: لعلّهم يكتشفون قابلية حواسهم للخطأ أو عدم موثوقيتها، أو يدركون اتساع العالم المادّي. لسلسلة من الخطوط، يقترح فن كاري، قدرة على احتواء الأكوان؛ ففي البساطة يولد التعقيد.

«دائمًا ما أفكر في الصورة الكُلّية»، قال كاري. «لا أخطط بدقّة إلى أين ستذهب كلّة خط، لكن لديّ تصوّر كلي لكيف ستبدو الأمور وكيف سيختبرها الناظر. وما بين هذا وذاك يتكوّن بنفسه.»

قبل أن يرسم خطّه الأوّل، يمارس التأمّل. يحدّق في الفراغ بعين نقدية، يدع الغرفة والضوء يفصلانه. ثم يرسم ذلك السطر الأوّل، وتنبثق بقيّة القطعة بطريقة شبه عضوية.

لا يضع كاري مخططات مفصّلة لأعماله. ثمة فكرة عامة عن الوجهة والهدف، لكنّ قدر الاستشراف يتوقف عند ذلك. في فنه يسعى إلى إحساس بالعفوية والعضوية حيث يبني شيء على شيء آخر إلى ما لا نهاية. يمكنك أن تقول إنّ التطوّر هو مصدر إلهامه.

في «أصل الأنواع» يكتب تشارلز داروين: إنّ في هذا المنظر للحياة عظمة، مع قدراتها المتعددة، إذ نُفِخَت أصلاً في صور قليلة أو في صورة واحدة؛ وأنه بينما يواصل هذا الكوكب دورانه وفق قانون الجذب الثابت، فقد تطوّرت— ومن البدايات البسيطة— أشكال لا متناهية من أجمل وأعجب الموجودات.

في هذا المقطع، يتناول داروين ما يمكن أن نسميه رؤية أساسية للحياة: من أبسط الصور ينبثق «العظم»—بكلمات أخرى، التطوّر في العمل.

«يكاد فني يكون شظيةً — تلميحًا — مما تفعله الطبيعة بالفعل، وهي ترتيب أشكال معينة لتكوين أشكال أكثر تعقيدًا»، قال كاري. «هكذا تُبنى الأشياء: تبدأ بذرات وجزيئات وخلايا. نحن تجمّع لأشياء بسيطة تتحدّ لتشكّل شيئًا أعظم من مجموع أجزائها.»

يقرأ  ما يمكن مشاهدته في صالات عرض نيويورك في أغسطس

شهد كاري تطورًا شخصيًا لافتًا. وُلد في كوراساو، الجزيرة الهولندية في الكاريبي، ونشأ في جنوب كاليفورنيا. لم تشجعه أسرته على اتباع طريق الفن؛ «عائلتي تقليدية إلى حد كبير، حيث لا يُنظر إلى الفن كمهنة قابلة للحياة»، قال. «لم يخطر ببالي أبدًا أنه خيار.» حين كان مراهقًا حضر سباقات سيارات في أونتاريو بكاليفورنيا؛ مجرد كونك متفرّجًا غيّر مسار حياته. تلقّى مخالفات مرورية لم يكن يعِ لها سببًا سوى حضوره تلك السباقات. وكان يبلغ من العمر تسعة عشر عامًا عندما أوقفه شرطي وأخبره أنه يقود برخصة معلّقة.

«الجيش كان عمليًا خياري الوحيد آنذاك»، قال كاري. «كنت مضطرًا للاعتماد على الآخرين لأوصلوني إلى أماكن. والجيش عرض وظيفة مضمونة [لا تتطلّب رخصة].» التحق كاري بالقوّات الجوية الأميركية كمحلّل لغوي؛ درس الروسية في فترته الأولى والماندرين في الثانية. يظلّ كثير من عمله العسكري سريًا. «بالنسبة إليّ، كان الجيش مجموعة من التجارب»، قال. «تلتقي بأناس من أنحاء أميركا المختلفة، تسافر… منحني ذلك بعض النظرة إلى كيفية سير العالم.»

حوالي عام 2012 مرّ بتجربة كالبُدران في حياته، لحظة «أها» كما قد تسميها أوبرا. بعد المدرسة الثانوية كان لديه صديقٌ بدأ يتعلّم فن الوشم؛ وكلاهما كانا مولعين بالرسم. «كنت أرافقها أثناء عملها وأتعلّم القليل من الوشم وأجربه»، قال كاري. لكن مسارهما تفرّق، انتقل إلى سان دييغو وأدرك أن الخيار المهني الواقعي الوحيد المتاح أمامه هو الغوص في الجيش دون تردّد.

في كل عمل منه ترى اندماجًا بين التأمّل والتطوّر العضوي، وكأنّ كل خطّ يبدأ حوارًا يمتد ليخلق عالمًا جديدًا ينبني على بساطة بدايته.—الحياه والبيئه تتقاطعان في هذا الحوار.

أضف تعليق