ماجي هاريسون — صانعة النبيذ في أنتيكا تيرا تتعاون مع فنّانين لإصدار مجموعة صناديق فنية

ملاحظة المحرر: هذه القصة جزء من سلسلة “نيوزمكرز” في آرتنيوز، حيث نجري مقابلات مع الفاعلين المؤثرين الذين يحدثون تغييرات فعلية في عالم الفن.

ماجي هاريسون تقود عمليّة صناعة النبيذ في “أنتيكا تيرا” بوادي ويلياميت في أوريغون، وقد رسّخت لنفسها سمعة بارزة كواحدة من أبرز الممارسين في الحرفة. مؤخراً تعاونت مع مجموعة فنية تضم جولي مهرِتو، بول بفيفر، وجيسيكا رانكين لإطلاق مجموعة محدودة من صناديق النبيذ، حيث جرت عمليات المزج ضمن منهجية تشاركية رافقها إنتاج أعمال فنية فردية ضُمت إلى كل زجاجة في ما وُصِف بالمتحف داخل صندوق.

العائدات من 150 مجموعة ستُخصّص لبرنامج الإقامة الفنيّة “دينستون هيل” الذي أسسته مهرِتو وبفيفر (بالتعاون مع لورين تشوا) في جبال كاتسكيل شمال ولاية نيويورك.

في الصيف الماضي افتتحت هاريسون أيضاً مساحة فنية مخصّصة في “أنتيكا تيرا” حملت اسم Art Meadow، احتضنت عملاً موقعياً للفنانة المقيمة في لوس أنجلوس ليلي كلارك، وتخطط لعرض جديد يفتح أبوابه العام المقبل.

تحدّثت آرتنيوز مع هاريسون عن انخراطها مع الفنانين بينما تعمل هي كفنانة أيضاً.

كيف نشأت فكرة صناعة النبيذ مع فنانين؟
نحن ندعو أشخاصاً ليسوا صانعي نبيذ—موسيقياً، زبوناً خاصاً، شاعراً، أو خبير بونساي—للانضمام إلينا في عمليّة الصنع من أجل بلوغ درجة من الألفة والحميمية. نفهم عملنا ونتعايش معه بعمق، لكن هناك حاجز في القدرة على نقله لفظياً؛ لا يستطيع أحد أن يفهم تماماً إلا حين يجرب بنفسه. لذا بدأنا نشارك العمل مع ممارسين يشتغلون بطرق مختلفة، أولئك الذين يعلنون عن الأشكال التي يتوقون لرؤيتها ويأتون حاملين تصورات مسبقة عن الأشكال التي يودون أن يجدّوها.

ثم، في 2023، كتب أليكس هالبيرستادت مقالاً عطوفاً وسخياً عني وعن عملي في مجلة نيويورك تايمز. يوم نشره، أرسلت إليّ جين غرينبرغ-روهاتين من صالون 94 رسالة تقول: “أعجبتني طريقة تفكيرك. يجب أن نفعل شيئاً سوية.” ذهبت إلى صالون 94 وهناك سألتني: “ما هي الأشياء الرائعة التي تودين تحقيقها؟” شعرت كطفلة في بداية لقاء اجتماعي—انهال عليّ كل تخيّل وإبداع كنّا نحلم به. شاركتها فكرة النظر إلى الخمر كمادّة على شاكلة الطين أو الحجر أو الطلاء، وأن نمنح الانضباط الذهني للفن مساحات للّانضغاط. قالت إنه كان هناك زمان سمح فيه للفعّاليات الفنيّة بأن تتجاوز حدودها—الفنانون كانوا يصنعون ديكور الباليه، يطبخون معاً، يشتغلون خارج صناديقهم—أما الآن فالتوقّعات ضاقت على الفنانين. إن كان لديّ فكرة تفتح مساحات للتلاقي بين تخصصات مختلفة فإنّها تحب أن تكون جزءاً منها.

يقرأ  سد الفجوة الرقمية بين الجنسينسيسيل كوني — الرسامة التوضيحية تتحدث عن كيفية إنهاء الانقسام الرقمي

كيف قاد ذلك إلى العمل مع جولي مهرِتو؟
جين رابطة العلاقات لديها واسعة وتتصرف بسخاء. بدأنا نفكّر في أسماء فنانين قد يرغبون في صناعة نبيذ معي فقالت: “هل تعرفين جولي مهرِتو؟” قلت: “أنا مبهورة بعملها.” ووضحت لها أنني لا أريد أن تكون الفكرة وسيلة لكسب ربح يربطها بعملي التجاري، لأن ذلك سيقوض العهد الذي نعد به بعضنا البعض. اقترحت أن يتحوّل المشروع إلى فرصة للعمل الخيري أو لدعم مؤسسة ما، وهناك أخبرتني عن نشاط جولي مع “دينستون هيل”.

كيف استقبلت جولي الفكرة عند عرضها عليها لأول مرة؟
استخدمت كلمة أتجنّبها عادة في وصف عملي، لكن كانت مفيدة لي: قالت إنّها “فرصة مرحّبة للّعب”. كلما نصحّ الناس بكلمة “اللعب” بشأن طرقنا في صناعة النبيذ، أتضايق؛ يسألونني: “هل تلعبين بالأمفورا؟ هل تجربين أصنافاً جديدة؟” وأردّ بأن صناعة النبيذ ليست لعباً بالنسبة لي، بل هي عملي وحياتي ومعيشي، لكنها في الوقت نفسه فعل دائم من الفضول والتجريب. لذا كان من اللافت سماع جولي تتحدّث عن اللعب مراراً؛ الكثير من عملها متجذّر في التجريب واتباع الفضول، ومع ذلك تفتح للأمور روحاً من الحيوية واللعب. بدا المشروع امتداداً وانفتاحاً لذلك المنوال.

وافقت جولي ثم تركت لي خيار الأشخاص الذين تريدهم إلى جانبها؛ اختارت بول بفيفر وجيسيكا رانكين. وما كان لافتاً في زيارتنا إلى منزل جولي في هارلم أنّ لا أحد من الحضور تذرّع بكونه “ليس صانع نبيذ”—لم يأتِ أحد ليُعلن عن حدود خبرته، بل دخل الجميع إلى الطاولة بروح فضولية واستعدادٍ للمشاركة. «لا أستطيع أن أزعم أني أعلم تمام العلم ما الذي أفعله هنا.» كانوا جميعاً يندفعون إلى العمل بتخلي كامل. نظرتهم إلى المادة كانت واضحة وبسيطة: هذه مادة، وأنا أعرف كيف أتعامل مع المواد. كل واحد منهم تعامل معها بطريقة مختلفة تماماً، لكن لم يكن هناك احتكاك أو رهبة. الموقف العام كان: أعرف كيف أعمل، وهذه وسيط أتيح لي العمل به اليوم. روحهم الاستباقية كانت معطاءة ومُلهمة حقاً.

أخذنا عينات من خمس براميل بينو نوار من قبوّنا، من محصول 2022، وحملناها إلى الفنانين كمجموعات خلط. جلسنا على طاولة مطبخ جولي، وكل فنان أمامه أسطوانة مدرّجة، وماصة مصلية، ومجموعة زجاجات خاصة به. أولاً تذوّقوا ودوّنوا ملاحظات في دفاترهم عن انطباعاتهم لكل عينة. ثم، كل واحد منهم وبشكل مستقل، صنع خلطته من نفس المكوّنات الخمسة. النتائج تباينت جذرياً؛ لم يبرز نمط واحد يمكن تمييزه. كل منهم أنتج كوفيه (cuvee) مميز يختلف كليةً عن جاره. كانوا يرون النبيذ بعيون مختلفة تماماً.

يقرأ  تحفة ريمبرانت تخضع لأعمال الترميم والحفظ في متحف شتادل

كما دخلوا في حوار خلاق واسع حول ما يرونه، وكيف يشعرون حياله، وما الذي يسعون إليه، وما الذي يرونه مرغوباً. ناقشوا ما معنى التعقيد، وما هي البنية، وكيف نوصّف البنية في وسيط مغاير تماماً. كان نقاشاً تعاونياً على الرغم من أن كل واحد أبدع نبيذه الخاص.

لكنّ كلا من Antica Terra وDenniston Hill يقومان على مبدأ الرعاية والأفعال التجديدية. لم نستعن بكلّ ما نُنتج لأنّ ذلك لم يكن ضرورياً. في نهاية اليوم، بعد أن صنع كل منهم خلطاته، تبقّت فتات صغيرة من كل شيء. فعدت أنا وميمي آدامز، شريكتي في صناعة النبيذ في Antica Terra، إلى الطاولة بكل القصاصات وبالنسخ المجمّعة الكاملة، وأجرينا جلسة خلط عمياء منفصلة. ثم صنعنا معاً نبيذاً رابعاً يأخذ في الاعتبار عملهم وما تبقّى وراءهم.

المشروع يحمل اسم «Swerve»، ويخدم فكرة أننا دائماً نتحرك من فكرة أصلية نحو نقاط جذب: نحو بعضنا البعض، نحو أماكن، نحو أعمال بعضنا البعض؛ وأن الإبداع لا ينشأ في فراغ. لا أحد يعيش معزولاً، ومهما بدا العمل أصلياً فإنه يشير إلى أحقاب طويلة من الأعمال الإبداعية السابقة ويغذي أعمالاً لاحقة. في العلبة زجاجة من كل نبيذ صنعه الفنانون. ثم أبدع كل واحد منهم عملاً فنياً أصلياً طُبع في طبعة من 150 نسخة. جولي أنجزت حفراً بالإبرة الجافة، بُول صنع عدستين لنتيكولاريتين، وجيسيكا أبدعت عملاً استند إلى نقش لقطعة خشب تأثرت بآثار القنادس في Denniston Hill.

كان يهمني أن يكون العمل الفني منفصلاً عن الزجاجة نفسها، حتى لا يعيش العمل محجوزاً في قبو أو خزانة أو ثلاجة أحد. أحببت فكرة أن الشيئين يعيشان جنباً إلى جنب لكن حياة مختلفة. كل من يشتري العلبة يحصل على الثلاثة أعمال الأصلية. ثم هناك نص مكتوب بعنوان «الجثة البديعة» (Exquisite Corpse): مقالة، مقابلة، قصيدة، ونكتة. بالإضافة إلى ذلك، نص محادثة أجريناها استجابة لأسئلة أرسلتها لمحاولة فهم لماذا وافقوا وكيف عاشوا التجربة من منظارهم. نسجنا إجاباتهم إلى سرد فعلي على نمط الجثة البديعة.

أقول بصراحة إن عيّنة المشاركين صغيرة فلا يمكنني استخلاص حكم مطلق عن اختلاف العمل مع الفنانين البصريين مقارنةً بالآخرين، لكن المدهش والمنعش في تعامل هؤلاء الثلاثة تحديداً أنّ لا أحد منهم تحدث عن النتائج. لم يتكلموا عما كانوا يصبون إليه أو إن كان نبيذهم مرغوباً مع الطعام، أو عن نوع خاص من الحموضة أو الملوحة أو المعادن. كان التركيز كلياً على العملية بأسلوب أراه في عملنا لكنني لم أره معكوساً بهذه الشفافية من قبل.

يقرأ  مطالبة لرئيس الوزراء بمناقشة وفيات ناجمة عن ليمونتشيلو السام مع زعيم فيتنام

في الصيف الماضي افتتحنا «مرج الفن» المخصّص في الكرم. هناك تاريخ طويل لاقتناء دور النبيذ للّوح الفنية، وهو تزاوج ذو معنى بين تخصصات التذوّق والتقدير. عندما تمّ اختيارنا لنصبح الأوصياء الجدد على قطع أرضنا الرائعة، أدركنا أنّ علينا مسؤولية تكريم المكان. كثيراً ما نتحدث عن خلق مساحة، لكن ذلك يفترض وجود طاولة صَفْرٍ أو فراغ سابق؛ أما ما شعرنا به بوضوح فهو الوفرة والانسانية المتجذّرة في المكان، والانفتاح على استمرار الحياة والخلق بدل محو الوجود السابق والانطلاق من العدم. الان كان المكان واسعاً إلى حد أتاح لنا رفاهية التساؤل: ماذا نريد أن نفعل؟ ما الذي يميّز هذا المشهد ومنحه، وكيف نشارك تلك العطايا بما يليق بها؟ المكان كائن حي، ولذا لا بدّ من تكريم الاجداد وتاريخه وأشباحه وروحه، إلى جانب الكائنات الحيّة من نباتات وحيوانات التي تعيش فيه. فكيف نُبرّ كل ذلك ونظل في حوار حيّ مع هذا المكان المادي بطريقة ذات معني؟

عندما تأملنا معنى الفعالية والرعاية المتأنية لمساحة تبلغ 188 فداناً من هذا الركن من البلاد، وجدنا أن المقصود كان بناء المجتمع وضمان ألّا نُشيّد حواجز، بل توسيع آفاق الانخراط بدلاً من رسم خطوط فاصلة، وأن نُرحّب بالناس حقاً داخل هذا المكان.

لقد أجرينا حوارات مع فنانين من اختصاصات مختلفة على مدار سنوات، وكانت هناك روافد إبداعية عديدة تغذّي أنتيكا تيرا والعمل الذي نقوم به. ومن الموضوعات المتكررة أنّ الفنانين العاملين في الفن البيئي أو التركيبي أو في النحت الكبير الحجم نادراً ما يجدون موطناً لعملهم؛ الأماكن التي تستقبل مثل هذه الأعمال قليلة، وغالباً ما ينتهي بها المطاف إلى التخزين. وليس في العالم سوى عدد محدود من أماكن العرض من قبيل ستورم كينغ أو ديا بيكون.

لذلك بدأنا نفكّر في إنشاء «مرج فني» كوسيلة لبناء المجتمع وكطريقة لتكريم المكان الذي كان موجوداً قبل وصولنا. بدا ذلك وسيلة مشرفة لاستثمار المكان وفتح مساحة إبداعية في العالم بما نملك لنقدّمه.

أضف تعليق