ماريان سبور بوش: لم يكن أحد يعتبرها «فنانةً رؤيوية»

من كانت ماريان سبور بوش؟ هذه السؤال يستهل نصّ عن مقتبس المعرض الذي نسّقه بوب نيكاس وحمل عنواناً يعادل «حياة وما بعدها: أعمال حوالى 1919–1945» في غاليري كارما. المعرض، أوّل عرض فردي للفنانة منذ ما يقرب من ثمانين عاماً، يبدو معاصراً بشكل ملفت سواء من حيث اللغة البصرية أو الموضوعات التي يعالجها.

تتباين أعمال بوش بين ألوان مائية زاهية ومشبعة تصوّر زهوراً واستعارات مسيحية في الغرفة الخلفية — لوحاتة تنحني نحو السذاجة المتعمدة بقدر ما تشير إلى تاريخ الفن — وبين لوحات كبيرة في القاعة الرئيسة تُجسّد مشاهد قاتمة: أجساد غارقة أو على طوافات، ومخلوقات طيرية مرعبة تستدعي عناصر السريالية والمشوّه.

سيرة الفنانة لا تقل إثارة: وُلدت في 1878 في باي سيتي بولاية ميشيغان، درست طب الأسنان في جامعة ميشيغان وكانت من أوائل الطبيبات الأسنان في الولاية. بعد وفاة والدتها في 1919 لجأت إلى لوحة الوسطاء الروحيين (ويجا) للتواصل معها، وبدأت تتلقّى رسائل من أرواح فنانين متوفّين تحثّها على ممارسة الرسم. في العام التالي توقفت عن ممارسة طب الأسنان وانتقلت إلى نيويورك لتكرّس وقتها للفن والعمل الخيري؛ ومن خلال تنظيم مطبخ للفقراء تعرفت في ما بعد على ملياردير يُدعى إيرڤينغ بوش وتزوّجته.

هذا النوع من السرد — من حالة اجتماعية متواضعة أو متوسطة إلى الثروة، عبر الروحانية والاختفاء ثم الاكتشاف المتأخر — يجذب العالم الفني والجمهور العام على حد سواء. إعادة اكتشاف فنانات ذاتية التعلم ورؤيوية مثل هيلما أف كلينت دفعت إلى تحويل تلك القصة إلى نمط متكرّر: فنانة «رؤيوية» لم تُعترف بها أو اختُفيت من التاريخ حتى أعيدت قراءتها لاحقاً. من السهل وضع ماريان سبور بوش في هذا السياق، ويميل نص المعرض إلى ذلك بالاستشهاد بفنانات مثل أغنيس بيلتون، إيما كونز، بولينا بيفي، وجيرترود أبكرومبي — ربط يجمعهنّ في الغالب على أساس الميول الروحانية والجنس.

يقرأ  «أضواء الشمال» — نحو جغرافيا جديدة للفن

ورغم استحقاق بوش والاعتراف بأعمالها، لا بد من طرح أسئلة حول مَن يكتشف ومَن يروي القصة وكيف تُروى وما آثار هذا السرد. ثمة خطر في تسطيحها إلى مجرد مثال نمطي للفنانة الرؤيوية المعاد اكتشافها، خصوصاً عندما لا تتوافر مصادر نقدية كثيرة عنها.

موضوعياً، تبدو لوحاتها المتأخرة — التي تطغى عليها ظلال رمادية تقريباً — أقرب إلى تقاليد فنانين تناولوا العنف والنضال والخلاص، أمثال غويا، أوتو ديكس، وكاثيه كولفيتز. النسور والطيور المشوّقة تشغل مساحات واسعة في سلسلة أعمال بين 1933 و1943، وهي سنوات تغطي الكساد الكبير ونصف الطريق تقريباً إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، فترة غنية بمواضيع الفقر، الموت والاضطراب.

في «الطائر الهزيل للجوع» (1933) — لوحة مذهلة إن لم تكن الأكثر هولاً في العرض — يرتسم طائر شاحب عملاق بخطوط رقيقة تشق السماء السوداء الصلبة؛ وفي الأسفل يلوح ما يشبه قرية مرسومة بحرية كثيفة، ما يوحي بفاصل رمزي ينهش العالم الواقعي من فوق. في «المرابي (ثلاثة نسور)» من 1934، يتقابل طائران قاتمان في مركز التكوين فوق أفق صلب، وتحتهما مياه سوداء يطفو بالقرب من سطحها وجه يحدّق بالخوف أو الحزن، وحول عنق هذا الوجه سلاسل. ومن أقوى أعمال المعرض «المنتقمون» (1943): شكل مجنّح يرفرف بجوار شجرة ميتة تتدلّى منها ثلاثة أجساد؛ الأرض المتموجة هناك تبدو كأنها تجمع بين الطين والماء، في تناقض صارخ مع سماء مزرقّة تشبه المحيط.

كانت بوش تصف فنها بأنه نبوءَي وموجه من قِبل قوى روحية كانت تسميها «هم» أو «الشعب». ففي مراجعة لصحيفة عام 1943 نقل الناقد إدوارد ألدن جويل عنها قولها إن هذه القوى «تحرّك يدي صعوداً وهبوطاً وتقدماً وعرضاً بكل الاتجاهات». ورغم تشابه عملية الرسم الأوتوماتيكي مع ممارسات فنانات مثل أف كلينت وبولينا بيفي، فإن الاقتصار على هذه المقارنات قد ينزع عن العمل عبئه التاريخي والثقافي ويفقده من قوّته الذاتية. مقارنة أكثر جوهرية تكمن مع النسور الضخمة في طباعة غويا لسلسلة «كوارث الحرب»، ولاحقاً مع لوحاتها التأملية ذات الحكايات الروحية التي تذكر برسمات أوسكار كوكوشكا وإرنست لودفيغ كيرشنر، حيث تنقل الرسومات الفضفاضة والملوّنة سرديات مسيحية أو روحية.

يقرأ  إدارة إطفاء بوونز ميل تتكاتف حول أحد أعضائها أثناء تعافيه من جراحة قلبية

سواء كانت لوحات بوش حملت رؤى نبوية عن الحرب العالمية الثانية كما تصورت هي، أو كانت انعكاساً لواقع الحرب العالمية الأولى والكساد كما توحي «الجوع»، فإنها تنتمي إلى ذلك الخط التاريخي الذي يتعامل مع العنف والخراب على نحو مباشر وقاسٍ.

إعادة التفكير في نمط «الفنانة الرؤيوية المعاد اكتشافها» لا يقتصر على إيجاد قرائن تشكيليّة جديدة فحسب، بل يتطلب أيضاً تفنيد هياكل السلطة والافتراضات النمطية. كثير من التصنيفات الفنية — بين الكانوني والخارجي مثلاً — تحمل صبغة جنسانية؛ الغالبية المدوّنة في السير الكبرى كراوٍ للحروب والعنف هم ذكور، ليس لأن النساء لم ينتجن أعمالاً بهذا الوزن، بل لأن من نُدرج في التاريخ الرسمي للفن الغربي كان في الغالب من الرجال. غويا لم يختفِ من المتاحف ليُعاد اكتشافه؛ أما بعض الأماكن والأشخاص فقد كانوا معروفين، لكن ليس للجميع، كما كتبت بعض المراجعات الحديثة.

أمر أكثر خبثاً هو تجميع الفنانات ضمن فئة الروحانيات والتخاطر الذهني كخلاصية توضّعهنّ دائماً على حافة العقلانية في ثقافة ما زالت تعتبر هذه الممارسات هامشية. حتى الناقد جويل، مع اعترافه بأن أفضل أعمالها «حادّة ومقلقة»، تساءل إن كان يمكن تقييمها بإنصاف في ضوء توجّهاتها الروحية، ما يضع مهنيتها موضع شك رغم مقارنته لأسلوبها بأساليب السرياليين المعروفين.

هذا الكلام صدر قبل أكثر من ثمانين سنة، وكانت بوش حاضرة للرد. اليوم، إن عدلنا عن إعادة إنتاج نفس الارتباطات الإشكالية فقد نوفّر لها تمثيلاً أنصف أعمالها. عندما يتحدث نيكس عن «الخطوط الموَصِلة التي تسري بين الأعمال الرؤيوية لتلك المرأة» فهو في الواقع لا يميّز بقدر ما يجمع: كلمة «نساء» و«رؤيوية» تبدوان هنا كفئتين مفصليتين تُبرزان فصلهم عن «نحن» غير المحدّد.

عرض «حياة وما بعدها» كشف عن جوانب جديرة بالاهتمام. قدمت كارما ونيكاس قراءة جيدة لماريان سبور بوش لجمهور قد يكون جديداً عليها، وإعادة التقديم مرحب بها. والآن حان وقت ربط خطوط جديدة تبرز تعقيداتها التاريخية والفنية دون إسقاطات تبسيطية.

يقرأ  مركز هاري رانسوم — جامعة تكساس في أوستنزمالات بحثية ممولة في الفنون والعلوم الإنسانية

المعرض مستمر لى كارما، عنوانه 188 شارع إيست 2، إيست فيليدج، مانهاتن، وحتى 6 سبتمبر؛ وقد نسّقه بوب نيكاس.

أضف تعليق