مايكل ديفيد — فنّ يحدّق فينا

تيفولي، نيويورك — التقيتُ بمايكل ديفيد في اليوم الأخير من معرضه «المُلاح» في فضاء برايفت بابليك في هادسون. أمضينا ظهراً كاملاً نتحدث عن عمله ومساره، وبعد أسابيع دعاني إلى مرسمه في تيفولي. كنت أعرفه كمؤسس ومدير صالون الكرسي الاصفر، برنامج افتراضي يقدم نقداً عبر الإنترنت بصيغ متعددة، أُدرّس جزءاً منه معه ومع الرسامة التجريدية أسترِد ديك. أخبرني أنه أطلق الصالون من شقته في بروكلين مع مطلع جائحة كوفيد، بعد أن تلقي ردوداً كثيرة على ندوات النقد التي نشرها على فيسبوك.

بين 2011 و2014 أقام وعمل متقطعاً في أتلانتا، وهناك تعرف إلى ويليام «بيل» أرنيت، مؤسس ورئيس مؤسسة Souls Grown Deep المكرّسة لجمع وحفظ وتوثيق أعمال فنّانين سود من الجنوب العميق. بنى صداقة فنية مع فنانَين من تلك المنظومة، ثورنتون دايل ولوني هولي، شعر تجاههما بتآخٍ فني حقيقي. في 2014 عاد إلى بروكلين وأسس معرضاً أسماه «حياة على المريخ»، اقتباساً من أغنية ديفيد بوي، واتبعه باسم رمزي ضد الفكرة القائلة إن التصوير قد «مات» مرة أخرى؛ أراد أن يوحّي بأن الرسم حيّ على كوكب آخر أو أن الرسامين ليسوا من هذا الكوكب.

في زيارة المرسم كان همّي الأكبر أن أفهم ممارسته الفنية وتقنياتها. في 2001 أصيب بالتسمّم نتيجة تسخين الإنكوستيك بشكل مفرط في المرسم، فتعرّض لغازات سببت له تلفاً عصبياً دائماً في ساقيه. بعد انقطاع عن العمل دامت سنتين، عاد للرسم وابتكر سلسلة أسماها «التوريدورات الساقطة» مستلهِماً لوحة إدوار مانيه «التوريدور الميت» (1864). يعتبر ديفيد كلّ لوحات هذه السلسلة — التي تستدعي أيضاً «اللوحات السوداء» لفرانسيسكو غويا — صوراً ذاتية، قراءة تعتمد على الامتزاج بين الاقتباس من الماضي واستدعاء الذات.

عمله «التوريدور الميت (على طريقة مانيه) — رباعي الق canvases» (2003)، تقنيات أكريليك ووسائط مختلطة على أربعة قطع قماش مركبة على لوح، يقاس 109 × 240 بوصة، أي أكبر من الحجم الطبيعي. الجسد الساقط يستدير أمام أرضية مخططة ومخدوشة تشارك في حركتها فرش التعبيرية التجريدية. إن الانتقال إلى هذا القياس الكبير كان امتحاناً: هل يستطيع أن يصنع لوحة هائلة أو صورة ذاتية بضميرٍ قوي؟ بالمقارنة، «صورة ذاتية كغول» (1998)، زيت وإنكوستيك على خشب، قياسها 54 × 59 بوصة، أصغر لكن مشحونة بذات الكثافة.

يقرأ  كوريا الجنوبية تسمح للممارسين غير الطبيين بمزاولة فن الوشم

الغول في الفولكلور اليهودي كائن بلا شكل يُصنع من مادة غير حية — أرض ملونة أو شمع — يبدأ مساعداً ثم يتحول مهدداً مدمِّراً. يمكن قراءة هاتين الصورتين الذاتيّتين كمجاز لتحوّل ديفيد من عملية فنية سامة إلى تجربة خلقية قاربت حدّ الهلاك ثم نَجَت منها. كأعمال سيرة ذاتية مرتبطة بالتعبيرية التجريدية وشعر آلن غينسبيرغ، فهي تمثل انعكاسات قاطعة لا تَحمل لصيغة الشفقة الذاتية أثراً ملحوظاً.

من أعماله المبكرة تُظهر «برلين غوثيك» (1981)، صليب أسود مُطرز بالصباغ والإنكوستيك على خشب، ولعه بالمواد الحسية والرموز المحمّلة بالمعنى. هذا الافتتان استمر رغم ما شهدته مسيرته من تقلبات. وبينما كنا في مرسمه، محاطين بأعمال تضم مرآة مكسورة وزجاج مرآتي سيليكون وواكس وأكريليك وراتينج، سألته كيف يحصل على أنماط الزجاج المحطم؛ ابتسم وقال إنه يرسم بالمطرقة، مستخدماً أجزاءها المختلفة — المخلب والمقبض — لخطوط وثقوب تُشكّل الشروخ. عملية تدميره للسطوح المرآتية لإنتاج أنماط مختلفة، كما في «بدون عنوان 9» (2022–25)، استحضرت في ذهني بيتاً من قصيدة وليام بتلر ييتس: «كلّ شيء تغيّر، تغيّر تماماً / يولد جمال رهيب».

تكسراته في الزجاج تربط عمله بأعمال معاصريه وجيل من الروّاد الحديثين. في «فانيتاس» و«فانيتاس السوداء» (كلاهما 2023) يتعامل مع تقليد الطبيعة الصامتة الذي تَشَكّل في الرسم الباروكي الهولندي والإسباني، حيث استُخدمت الجماجم رمزاً لزوال الحياة. بدلاً من تمثيل أشياء صامتة، يجعل زجاجه المكسور مرآة حرفية للمشاهد؛ أمامها يُدعى المتفرّج إلى تأمل ذاته.

«العروس العارية» (2015–25)، أعظم أعماله التي تضم زجاجاً متصدعاً، إشارة صريحة إلى «العروس العارية أمام عُشّاقها، حتى (الزجاج الكبير)» لمارسيل دوشامب. العمل مكوّن من مقاطع زجاجٍ، كل منها متشقق بطريقة مختلفة، والعنوان مطبوع على قطعة خشبية خشنة مُعقوفة إلى اليسار. يمكن قراءة الشروخ كسطور في رسمٍ كبير.

يقرأ  استكشف فنّ وحياة الفنان جان ميشيل باسكياتموارد قابلة للطباعة مجانًا

طريقة ديفيد في توظيف مواد مهشَّمة وموحشة تُذكّر بـCombines لروبرت راوشنبرغ، بينما استدعاؤه للخشب المصبوغ يردّد أعمال دايل وهولي. ومع أن الإيحاءات والتقاطعات تتداعى في المرسم، فإن الأهم هو أنه لم يقُلّد أمجاد الأسلاف أو يسخر منها؛ بل استعارها، وأعاد ترتيبها ليصنع شيئاً غير متوقّع وضروري، مع الحفاظ على فرديته.

هل قصد أن يهدم إرث دوشامب أم أن يكرِّمه، أم يفعل كلا الأمرين؟ هل يجب على الفن أن يختار إما/أو، أم يمكن أن يكون كذلك/وكذلك؟ قدرة ديفيد على احتواء تناقضات متقابلة في آن واحد، مع إضافة لمسته الشخصية، تُشبِع أعماله بألم وغضب وحب لعمل الآخرين. وفي «بدون عنوان 9» (2022–25) — المرآة المكسورة، القطران، الراتينج، السيليكون والدهانات — تستمر هذه الديباجة: فنّ يَحيا في شظاياه ويُجبرنا على مواجهة صورنا.

أضف تعليق