متحف ألماتي الجديد للفنون في كازاخستان يحتفي بفنون آسيا الوسطى

افتتاح متحف ألما للفنون في ألماتي

في حدث طال انتظاره على الساحة الثقافية في كازاخستان، افتتح متحف ألماتي للفنون (ALMA) أبوابه أمام الجمهور في 12 سبتمبر، ليؤسس لنقطة محورية جديدة في إرث البلاد الفني المتنامي.

المؤسسة والمجموعة

كأول متحف خاص في البلاد مكرّس للفن الحديث والمعاصر، يعرض المتحف مجموعة مؤسسه، رجل الأعمال الشهير في قطاع السيارات والعقارات نورلان سماجولوف، التي تضم أكثر من 700 عمل فني لفنانين كازاخ ووسط آسيويين بالإضافة إلى أسماء دولية.

المبنى والموقع

يقع المتحف في أكبر مدن البلاد والعاصمة السابقة، وهو نصب معاصر بسيط يمزج بين الحداثة الحضرية وجمال الطبيعة. يتألف التصميم من هيكلين على شكل حرف L متشابكين؛ أحدهما مكسو بحجر جيري دافئ اللون والآخر بألمنيوم، ويكتنفه الضوء الطبيعي وزوايا حادة وأسقف مرتفعة تردّد صدى جبال تيان شان خلف المبنى.

الإدارة والرسالة

بقيادة المديرة الفنية ميرويرت كالييفا والقيّمة الرئيسة إنغا لاتسه، سيُعرض مخزون المتحف الدائم ضمن صيغ متعددة: معارض جماعية، عروض فردية، تعاونات ومشروعات بحثية. الهدف الرئيسي هو منح منبرٍ للمبدعين الإقليميين الذين كان حضورهم محدوداً، سواء من الأجيال الماضية أو المعاصرة، وفي الوقت نفسه استكشاف البتبادل الثقافي مع الجمهور والمؤسسات العالمية.

برنامج الافتتاح

يهدف برنامج الافتتاح إلى إيقاظ الفضول والحوار والانخراط العالمي بثروة وسط آسيا الثقافية، كما صرحت كالييفا، حاثّة على الجمع بين أجيال فنية مختلفة: من أولئك الذين أسسوا للفن الحديث في المنطقة رغم أخطار ملاحقة الأفكار تحت النظام السوفييتي، إلى أولئك الذين يعيدون تعريف المشهد اليوم.

استعراض أعمال ألماغول مينليباييفا

يغوص البرنامج في المشهد المحلي من خلال معروضات تقدم سياقاً واضحاً لزوار يلتقون بالفن الكازاخي للمرة الأولى. من أبرزها الاستعراض الشامل الأول لأعمال الفنانة المولودة في ألماتي ألماغول مينليباييفا، التي بدأ سماجولوف اقتناء أعمالها قبل ثلاثين عاماً. يعرض الاستطلاع، الموسوم بـ«أفهم كل شيء»، مسيرة تمتد لأربعين عاماً بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي.

يقرأ  بدء محاكمة في فرنسا بتهم استغلال أطفال ضمن شبكات دعارة

تحولت مينليباييفا منذ عام 2010 إلى التصوير الفوتوغرافي بعد بداياتها كرسامة، وتنهل أعمالها من قضايا المرأة والبيئة وسياسات الهوية والأساطير المركزآسيوية في سياق ما بعد الحقبة السوفييتية والشكليات النيوكولونيالية. عبر رموز شامانية وكونيات تقريسمية وصور للسهل، تسعى أعمالها إلى استعادة الثقافة المحلية وإيجاد موضع للتقاليد والأساطير الكازاخية في واقع حديث. من بين أعمالها المعروضة سلسلة تصور نساء وكأنهن أوصياء أسطوريون على مواقع تاريخية إقليمية مرتديات الأزياء التقليدية، كما في Bodyguards of Yassawi I and II، حيث تبدو المشاهد شبه مستقبلية والنساء في ثبات آلي يحوّل التقليد إلى ما يلامس الغرابة.

المعرض الجماعي الأول «قوناقطار»

المعرض الجماعي الافتتاحي بعنوان «Qonaqtar» (أي «الضيوف» بالكازاخية) يستعرض سنوات التكوين والحركات الكبرى للمشهد الفني الكازاخي. عملت لاتسه على بناء السرد الافتتاحي انطلاقاً من شعورها بأنها «ضيفة» أمام هذه المجموعة، فبزغت أمامها صور الاحتفال والتآزر والطعام وفكرة الضيافة، وهو توجيه مناسب لمتحف جديد يتوقع آلاف الزوار القادمين لاكتشاف هذه المؤسسة والبلد لأول مرة، فأرادت أن يبدأ البرنامج بنغمة احتفالية.

مضامين تاريخية وسياسية

يغوص «قوناقطار» في مضامين الضيافة والهجرة والتوتّرات السياسية في آسيا الوسطى خلال القرن الماضي، من الحقبة السوفييتية إلى ذروة الفن الكازاخي في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين وصولاً إلى الطفرة ما بعد الاستعمارية الأخيرة. كما يعالج معرضُه طيف التحوّلات الاجتماعية والسياسية التي أعادت تشكيل الهوية الوطنية ومشهد الفن.

تأثير الحقبة السوفييتية يظهر جلياً: نمط الحياة الرحل تغيّر جذرياً مع استعمار السوفييت لكازاخستان في أواخر القرن التاسع عشر والسعي إلى محو العادات التقليدية لصالح مؤسسات مراقبة مركزية للإنتاج. في ثلاثينيات القرن العشرين عانى الشعب الكازاخي مجاعة مفتعلة بفعل سياسات الاستيلاء على الماشية والحبوب، ما أودى بحياة أكثر من ثلث السكان وغير مفاهيم الضيافة، وهو ما انعكس في فنون تلك الفترة؛ تكشف لوحة توكبولات توغيزباييف «طبيعة صامتة مع خبز مسطح» (1989) طاولة معدّة لاستقبال ضيف لكن ما عليها من خبز وخيار لا يتجاوز القليل.

يقرأ  تركيبات سريالية رائعة ومنحوتات من الورق المقوّى — بواسطة سيث كلاركتصميم تثق به · تصميم يومي منذ ٢٠٠٧

التعايش والنقل القسري

تحدثت لاتسه عن موجات التهجير التي شملت شعوباً مثل الكوريين والويغور، ضمن مشروع اجتماعي هندسي سعي لتغيير البنى المجتمعية، فالتجمّعات الجديدة جلبت معها مشاهد محمولة وثقافاتها وأنماطها الفنية، ما يفرض على أي متأمل السؤال عن ماهية «الكازاخي» بعد أجيال من هذا الاختلاط.

أعمال أخرى ومعالجات فنية

من بين الأعمال المبكرة في المعرض لوحة آيشا غاليمباييفا «عيد الراعي» (1965)، لواحدة من أولى الفنانات المحترفات في كازاخستان، التي عبرت بألوان زاهية وضربات فرشاة حرة عن مهرجانات محلية كانت الدولة تنظمها كاستعراضات ثقافية تسمح بممارسة عناصر الفلكلور لكن ضمن إطار غير سياسي. عمل سلختين أيتباييف «حول الأراضي البكر. وقت الغداء» (الستينيات) يقدم نافذة أخرى على تاريخ الهجرات القسرية ومحاولات جعل السهوب قابلة للزراعة التي باءت إلى حد كبير بالفشل.

سياق وتوظيف أرشيفي

لإثراء الفهم، أدرجت لاتسه مواد أرشيفية إلى جانب الأعمال، مثل وضع لوحة غاليمباييفا «الصداقة» (1978) مقابل فيلم يوثق مؤتمر الكتاب الأفرو-آسيويين 1973 في ألماتي، كإشارة إلى تيارات فكرية مناهضة للاستعمار كانت آنذاك تظهر وتؤثر على المشهد الثقافي.

نصب خارجي وغرف فنية خاصة

يضم المتحف أيضاً أعمالاً نحتية خارجية من إبداعات يينكا شونيباير، أليشيا كوادِ، وجاومي بلنسا متناثرة في الساحات العامة لدعوة الجمهور إلى الاقتراب. في الطابق الثاني توجد «غرف الفنانين» التي تعرض الآن أعمالاً ضخامية لأنسلم كيفر، غرفة انغماسية ليَايُوي كُوساما، تركيب سمعي-بصري متعدد القنوات لبيل فيولا، ومنحوتة متاهية من الفولاذ كور-تن لريتشارد سيرا.

برامج دولية وبحثية مستقبلية

خارج صالات العرض، سيبدأ المتحف سلسلة برامج دولية قوية: شهر قادم يستضيف برنامج أداء وحديث مدته يومين بالتعاون مع مركز بحث هيونداي-تايت، كما سيكون منصة للبحث في الفنانين الكازاخ عبر منح من مؤسسة جيتي وجامعة نيويورك، فيما تتعاون منظمة AWARE الباريسية مع ALMA للبحث في تاريخ الفنانات الكازاخيات.

يقرأ  جداريات ولوحات الفنان لوكا لِدَّا

خاتمة

كما قالت لاتسه، كانت الفكرة أن يقدم المتحف شيئاً يتجاوب مع الزوار حتى لو لم يكونوا خبراء فن: «نأمل أن يمنح ALMA المشهد الفني المحلي زخماً جديداً، وأن يركّز الانتباه ويعزّز الاقتصاد الإبداعي»، وبالتالي يشكل هذا الافتتاح لحظة جميلة ومتسارعة في تطور الحياة الفنية بالمنطقة.

أضف تعليق