متحف الاستوديو في هارلم يفتح أبوابه مجدداً في مقرٍّ جديدٍ مبهر

افتتاح متحف الاستوديو في هارلم بعد اغلاق استمر أكثر من سبع سنوات يمنح الحي مؤشراً جديداً: مؤسسة عائدة إلى فضاء معماري مختلف تماماً، وإلى واقع سياسي وثقافي تغير على الصعيدين المحلي والوطني. النفوذ الاقتصادي والاجتماعي في الشارع المجاور لم يعد كما كان — الآن هناك سوبرماركت Trader Joe’s، وWhole Foods وTarget على نفس الشطر الذي يشهد تصاعدَ عمليات التجميل الحضري. ولا ننسى أثر الجائحة، التي ضربت هارلم أشد من أحياء مانهاتن الأخرى.

ثيلما غولدن، المديرة والمشرفة الفنية الطويلة الأمد، لم تهادن التحدي؛ فقد أمضت جزءاً كبيراً من أيامها في الموقع أثناء عملية البناء، ونجاح المشروع اليوم هو حصيلة جهد مستمر ومكثف من جانبها وفريقها.

لبقعة ضيقة على شارع 125 صيغت حلول عملية: باغت المتحف تحولاته الداخلية بتوسيع المساحات الداخلية على حساب الحديقة الصغيرة السابقة، ووضع سلم داخلي واسع يُعرَف الآن بالـ Stoop، متاح أمام الجمهور مجاناً، بينما يبقى الوصول إلى الفضاء الخارجي المتبقي — تراس السطح — بمقابل دخول. التصميم الجاري على الدرج الداخلي يحوّله إلى مساحة للحوار والعروض وأماكن التجمع غير الرسمية.

المبنى الجديد من تصميم المهندس المعماري الشهير ديفيد أديجي، الذي بدأ تخطيطه قبل نحو ثماني سنوات وبعد إنجاز متحف سميثسونيان لتاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة؛ لذا بدا اختيارَه منطقياً. غير أن سمعة المشروع تعرضت لاهتزاز في 2023 بعد ظهور ادعاءات سلوكية تجاه أديجي، ما دفع مؤسسات فنية متعددة إلى التباعد عنه، علماً بأنه نفى تلك الاتهامات. أُعلِن لاحقاً أن باسكال سابلان، مديرة مكتب نيويورك في مكتب أديجي، تسلمت زمام إدارة المشروع على الأرض، فيما بقي أديجي مسجلاً كمؤسس ورئيسي على موقع المكتب.

محاصرة بين مبانٍ قديمة وجديدة، يرتفع المبنى الخرسانـي الجديد بلون رمادي أنيق يشكل تبايناً محبباً مع محيطه. أمام الواجهة ما زال يلوح علم ديفيد هامونز الأحمر والأسود والأخضر كما في السابق، إشارةٌ واضحة إلى أن هذه نقطة وصول ومكان مهم. التفاصيل الداخلية لا تقل عنايةً: درج ترّازّو يربط الطوابق متألقاً، وكسوة خشبية فاتحة تمنح الفراغ دفئاً إنشائياً ومرحباً.

يقرأ  منحوتات البورسلين للفنانة جيسيكا ستولر

اصعد بالمصعد إلى أعلى؛ على الطابق السادس يكشف تراس السطح رؤية شبه كاملة للمدينة، تقريباً 360 درجة. يظل غياب منحوتات خارجية بارزة محسوساً — كان من الممكن أن تُشكّل إضافات كبيرة — لكن الأفق الحضري بدا أقرب من أي وقت مضى إلى المتحف.

على مدار عقود كان المتحف شبه غير مرئي للتيارات السائدة في عالم الفن بنيويورك، لكن ذلك لم يزدّه إلا عزماً: على الرغم من صغر مساحته، أثر المتحف على نطاق وطني ودولي، مؤسساً نفسه كمحور للفنانين من أصول أفريقية محلياً وعالمياً، ومعيداً كتابة بعض فصول التاريخ الفني ودافعاً مؤسسات أخرى إلى تسليط الضوء على الفنانين السود.

داخل المتحف عرض بصري زمني بعنوان «أن تكون مكاناً» يروي قصة المؤسسات منذ التأسيس عام 1968، ويستحضر شبكة الفنانين الذين دعمهم المتحف وتلقوا دعمه: من روماري بيردن إلى إليزابيث كاتليت، ومن كاميل بيلوبس إلى ديفيد دريسكِل، مروراً بجاك ويتن وميلفن إدواردز وويلام تي. ويليامز، الذين مهدوا لبرنامج الإقامة الشهير بالمتحف الذي شارك فيه حتى اليوم 158 فناناً.

المسار إلى هنا لم يكن حتماً مسفوراً، كما ذكر ريموند جي. ماكغواير، رئيس مجلس الإدارة لسنوات طويلة؛ فقد عمل المتحف طويلاً بلا صندوق وقفي معتبر، وكان كثيرون يشككون في قدرة مؤسسة سوداء على جمع التمويل اللازم لبناء مبنى جديد. اليوم تبدو المعطيات مختلفة: الحملة الشاملة جمعت وتجاوزت هدفاً بقيمة 300 مليون دولار لبناء المبنى، وزيادة الوقف، وخلق احتياطي تشغيلي.

المبنى الجديد، بتكلفة 160 مليون دولار، يجعل الأعمال الفنية في موقع النجومية. عند الدرج الذي يربط السطح بالطوابق السفلية تُعرض قطعة كاميل نورمانت من 2025 «بلا عنوان (هيليوتروب)» — تركيب نحاسي يشبه الأرغن ويصدر همهمة منخفضة أشبه بجوقة، مما يضفي على المكان جانباً طقوسياً روحانياً.

يقرأ  أقمشة ليبرتيحيث ينسج التصميم خيوط تاريخ الفن

النواة الاحتفالية لإعادة الافتتاح تتجسّد في عرض دائم لمجموعة المتحف على طابقين وجدران محيطة؛ التعليق الواضح هو أن المساحة العرضية تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالسابق، ما سمح بتجميع أعمال لم تُعرض معاً هكذا من قبل. لكن، وبصراحة نقدية، تبدو بعض القاعات باردة التركيب شبيهة بصناديق عرض بيضاء تقليدية، وهو تقشف يصطدم بطبيعة مجموعة تتطلب معالجة أكثر حميمية وحيوية.

المعرض الدائم «من الآن: مجموعة في سياقها» مقسوم إلى 11 جزءاً موضوعياً، وأفضلها جزء «1968» الذي يجمع أعمالاً أنتجت بين 1968 و1970، سنوات النشأة الأولى للمتحف؛ هنا تتجلى تعددية المناهج الفنية التي استجابةً لصخب تلك الفترة دفعت لوجود متحف مكرس لفن السود. في مركز هذا القسم تقف قطعة أَل لوفينغ التجريدية Hex 4 (1968)، منشور سداسي محفور ضمن مكعب وبألوان زاهية، يجاوره عمل لِيروي كلارك Now (1970) وصنف من الكولاج بالطباعة الحريرية لروبرت راشينبرغ، أحد الفنانين البيض القلائل الممثلين في المجموعة.

من الأعمال البارزة في العرض: «بيبي» لاما أماس (1966) جنباً إلى جنب مع «بنفاير» لنورمان لويس (1962)، وبورتريه بارز ذهبي لـ باركلي إل. هندريكس Lawdy Mama (1969)، ومنحوتة ديفيد هامونز لخنزير خزفي مقطوع يكشف عن أكوام من القواقع — تعليق قوي على علاقة العملة واستعباد السود. كما تضم المجموعة باهتمام استحوذ على صيت: لوحة جان-ميشيل باسكيات Bayou (1984) التي أهديت للمتحف في 2023، مما يجعل المتحف واحداً من قليل من المؤسسات الأميركية التي تملك باسكيات — إن لم يكن الأبرز في هذا السياق.

مع أن بعض الأعمال المحيطة بالباسكيات أقل شهرة، فإن ذلك يمثل ميزة: لا تعتمد الزيارة على قطعة واحدة جاذبة، بل على تناغم أصوات متعددة في جوقة بصرية. ثمة كذلك مساحة مميزة للتصوير الفوتوغرافي، منها شبكة مؤلفة من 40 صورة توثق أداء لورين أُغرادي «الفن هو …» في موكب يوم الأفروأميركي عام 1983، حيث وضعت أُطر ذهبية على الشارع وأطرت سكان هارلم — احتجاج فني على غيابهم من بورتريه المؤسسات التقليدية.

يقرأ  طبقات المعنىغوص عميق في هوية جائزة تورنر 2025بقلم رابيثول

جزء «الرؤية/اللا-رؤية» يبرز أعمالاً تتناول ازدواجية الظهور والغياب في تجربة الأميركيين الأفارقة: من «الصمت ذهبي» لكيري جيمس مارشال (1980) إلى «محيطات الرقبة» لورنا سيمبسون (1989) التي توحي بالقتل خارج إطار التمثيل المباشر.

المجموعة تميل إلى الرسم والنحت المتوسطي الحجم؛ قلة الأعمال الفيديوية وغياب عروض الأداء والدانسيج عند افتتاح 15 نوفمبر يؤسف له، وكذلك خفتان قسم الصوتيات؛ ثغرات من الضروري أن يسعى المتحف لسدها قريباً.

على العموم، يبدو المتحف الجديد أشبه بلقاءٍ حيّ بدلاً من مؤسسة جامدة — وقد يكون هذا مقصوداً، كما يبرهن قسم البرنامج الإقاماتي المكثف. هناك أسماء كبيرة معروضة — هامونز، مارشال، جولي مهريتو، ميكالين توماس، آدم بندلتون، سيمون لي — لكن بعض أقوى الأعمال جاءت من فنانين لم تبلغ شهرتهم ذروتها بعد، ومن ذلك أعمال بول سي. غاردير وGrace Williams التي تصنع سرداً قوياً من مواد يومية ورموز اجتماعية.

عندما يُنظر إلى كل المعروضات معاً لا ينبثق سرد وحيد واضح؛ المتحف يصر على وجود قصص متعددة تستحق البحث العميق. قبل سنوات، عند التحقيق في دور المتاحف المتخصصة ثقافياً، كان السؤال المتكرر: «هل ما زال متحف الاستوديو في هارلم ذا صلة؟» اليوم الإجابة أكثر وضوحاً: وجوده خلال الخمسين سنة الماضية هو ما جعل اللحظة الراهنة ممكنة، وبغيابه لما كنا لنشهد انتقال الهوامش إلى المركز بهذا الشكل.

دور المتحف اليوم أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ تأثيره ثبُت، لكن لا وقت للتوقُّف عند هذا الحد. لا يزال هناك كثير لعمله: توسيع القانونن الفني، وسعة مداركنا وقلوبنا تجاه ما يمكن أن يكون عليه الفن والحياة. الان يبدأ العمل من جديد.

أضف تعليق