باستحضارها لذاكرتها وحدها، ومع خيالٍ فائقُ الحُيوية، ترسم لورا فوتس بصورةٍ حدسية مشاهدَ أحلامية معقّدة تندلع من حياتها. لا تعتمد في الاستوديو على موادّ تصويرية أو رسومات تمهيدية؛ بل تستند إلى العاطفة الخام والصور الذهنية التي تنبثق عند استدعاء الماضي. تُنَفَّذ لوحاتها بسلاسة في الزيت لتصوير فضاءات ومشاهد شديدة الخصوصية، كلها مُليّنة بنعومة وضبابية مدروسة تسمح للمشاهد بالدخول الى عالمها وذهنها.
فكرة الهروب والتحرر تُعد ثيمةً متكررة لدى فوتس، وهذا ليس مفاجئًا إذا علمنا أنها تعيش مع مرضٍ مزمن منذ الطفولة وما تَبِعه من أعباء نفسية. لكن ما يدهش هو الطريقة الشِعرية التي تتحول بها هذه الذكريات ولحظات الاستدعاء إلى لوحاتها؛ إحساس بالتطهير والابتهاج يخيّم حين تتفكك الأجساد المصوَّرة، أحيانًا لتتلاشى في ضبابٍ أو تتحول إلى ظلالٍ شبحية. والرغبة المتكررة في مغادرة الجسد بحثًا عن امتداداتٍ شعرية تبدو فكرةً كونية، لكنها تأخذ طابعًا فريدًا عند رؤيتها وتتأطّر فنيًا.
في لوحة Young Insomniac جلست شخصيةٌ وحيدة على سريرٍ تحت ضوءٍ قاطع. ومع تحول النور إلى ظلّ تذوب الشخصية وتندمج مع اللوحة الخلفية، لتعاود التشكّل كـ امراة عارية تندفع نحو الغابة، كحوريةٍ بين الأشجار. وفي لمسة ذكية يُقابَل هذا المشهد الغريب بعكسه في لوحة أخرى، Young Insomniac II، حيث يطفو مستطيلٌ مؤطّر يُظهر خلفيةَ نفس الشخص. لكن هنا نحن داخل اللوحة نراقب جسمها وهو يتمدّد إلى بخارٍ خارق ثم يتجمع مجددًا كسيدة تهرول إلى الغابة، مصوّراً في إطاراتٍ متعددة تنفجر بحسٍ سينمائي.
أتى لورا فوتس إلى حياة الفن بدوامٍ كامل بصورةٍ غير متوقعة؛ كانت إلى وقتٍ قريب تُعيل نفسها كخادمة في بريطانيا. شهدت فترات نقاهة كثيرة آنذاك، ولا تزال، أمضتها في الرسم بعنادٍ وهي على الفراش. تدرّجت لورا في الشعور بالراحة عند مشاركة رسوماتها وأعمالها على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم لفتت منشوراتها انتباه Dame Tracey Emin فجأةً، ومن هناك انقلبت الأمور مسيرةً جديدة في مسيرتها الفنية.