مجلة جوكستابوز — «الملانكوليا المستقبلية» وصلت إلى برلين

تستدعي مفاهيم مثل الإنتروبيا في الديناميكا الحرارية، والتكرار الأبدي لنيتشه، وتعاليم هيراقليطس حول التدفق، ونظرية الفردنة عند يونغ، وعقيدة الأنِتشا في البوذية، ورواية كافكا “التحول”، فكرة العالم كميدان دائم للتغير. من الاضمحلال الحتمي للمادّة إلى التحولات النفسية والروحية والاجتماعية التي تشكّل الوجود البشري، تكوّنت لدى الإنسانية عبر الزمن نظريات تراقب هذه الظواهر وتفكّكها وتحاول تفسيرها. تلك الطبيعة الزائلة والمتجددة والدائرية في آنٍ واحد تشكّل الجوهر المشترك لكل ممارسة فنية مُعرضة في العرض الفردي المتعدد المعنُون ميلانخوليا فوترا.

في هذا الإطار، تبدو عملية Jessika Miekeley الفنية عملية تحوّل بحد ذاتها؛ تنطلق من واقعية مرئية ثم تقطع، وتمحو، وتعيد تفسير صورها. الفعل الخلاّق عبر التدمير يجسّد الفكرة القائلة بأن التحوّل عملية غير متوقعة وغالباً لاواعية؛ حيث تتمازج حدود الحياة والموت زمانياً ومادياً. وعلى منحىٍ أقرب إلى اللامتوسط، تنبني أعمال Runa Ikeda على اللاوعي، مخزّنةً ذكريات خفيّة وأحاسيس مجهولة؛ إذ يتحقّق الكشف عن الذات كمسار روحي وعاطفي يتجاوز قيود العالم الحسي. سواء عبر موضوعات الهوية أو التغيّر الجسدي أو اللاوعي، يبرز الفنّانون هنا التوتر بين زوال العالم وطرائقنا الذاتية في إدراكه وتفسيره.

تؤكد أعمال Dimitra Liogka هذا التوتر من خلال تصوير الجسد الأنثوي في هيئةِ شخصيات تبدو عالقة بين واقعين—قابلة للتمييز وإن غُيِّرت. هذا التحوّل يربط بين المألوف والسريالي، فتتحرّك الشخصيات في رقص متحوّل لا ينتهي بين الهشاشة والقدرة على المقاومة. وبالمثل، تستعرض Marianna Ignataki شخصياتها الهجينة، الساحرات الشبه ماسكات، وأبطالها المموّهين بالأقنعة الذين يتبادلون الهويات بين الذات والآخر، الحلم والكابوس. عملها يحتفل بجمال البشاعة كحالة دائمة من التدفّق النفسي الناجم عن الرغبة والخوف والغرائز المكتومة. يتغلغل ثنائيّية الوجود كذلك في أعمال Wolfgang Guenther، حيث تتجلّى التحوّلات الشخصيّة والقلق الوجودي في فرسان ومخلوقات أسطورية، طيّات الطلاء الديناميكية عنده تصوّر إعادة تشكيل الذات والتكيّف المستمر. كما تستكشف Eva Maceková، من خلال تطبيقات طلاء سميكة، موضوعات التجدد الطبيعي والروحي داخل عوالم غامرة ومثيرة تشبه الأسطورة؛ عوالم تستعيد حسّ الاغتراب الكافكائي والعزلة النفسية وتأثيرات التجريد الإنساني في الحياة المعاصرة، لكنها، وبمفارقة، تقدّم الظلام كمجال للتحوّل والتجديد والمصالحة مع الطبيعة.

يقرأ  المعلمون يتكاتفون لإعادة الانخراط والملاءمة إلى الفصول الدراسية

إذا استحضرنا قول ديمقريطس: «العالم زوال، الحياة إدراك»، ندرك أن كلّ شيء، من المادة إلى الحياة الإنسانية، خاضع لتحوّل مستمرّ، للتآكل، والفناء، والتجدد. الكون بأسره أسير الزمان والتغيير، ولا شيء في العالم المادي ثابت أو دائم. وعليه، فإن تجربتنا للعالم تجربة ذاتية مبنية على الأحاسيس والإدراكات، وقد لا تعكس بالضرورة صورة موضوعية عنه. من خلال مزج الواقعية بالسريالية أو التجريد، يستخدم كلّ فنان مادته لتصوير قابلية التجوّل في الخبرة الإنسانية والعالم المحيط، مقدمين رؤى فريدة داخل مفاهيم فيزيائية ووجودية ومفاهيمية متباينة. فبالتعمّق في جوانب التحوّل والهوية وتعقيدات التجربة الإنسانية، تصبح أعمالهم تجسيداتٍ وبصماتٍ مادية وشهاداتٍ على قصر اللحظات وظروفها؛ قصرٌ يحيي في النفس حنيناً إلى ما لم يأتِ بعد (ومقدرٌ له زواله).

يُنَسّق معرض ميلانخوليا فوترا بالاشتراك بين Saša Bogojev وNicola Petek عن منظمة Frontviews، الجمعية الفنية غير الربحية التي تشغّل مركز HAUNT للثقافة والبيئة الحضرية في قلب برلين، حيث يظل المعرض مفتوحاً حتى 4 أكتوبر 2025.

أضف تعليق