لأكثر من ثلاثة عقود، تناولت غادة عامر الرسم كوسيط قابل للسؤال وإعادة التفكير وإعادة التخيل المستمرة. على امتداد مسيرتها الفنية، شكل عملها مجهودًا متواصلًا لإعادة النظر في الطريقة التي تُصوَّر بها النساء في الفن، وفي الكيفية التي يمكن للرسم أن يبرز بها وجودهن. فإذا كان الوسيط تقليديًا مرتبطًا بصوغ المهارة ومجموعة مغلقة من القواعد، فإن عامر تعامل معه كساحة قابلة للفك وإعادة التشكيل. بدلاً من نبذ الرسم، توسِّع حدوده بالخيط والنحت واللغة، فتحوّله إلى شكل أَكثر مسامية واستجابة.
هذا المعرض — الذي يمثل اول عرض لها في غودمان غاليري كيب تاون منذ «الحب أزرق صعب» بالتعاون مع رضا فرخنده عام 2018 — يجمع أعمالًا حديثة في الرسم والتطريز والبرونز والفولاذ. عند تلاحقها معًا، ترسم هذه القطع ممارسة تبحث دائمًا عن أشكال جديدة للاعتراف بتعقيد حياة النساء وتكريمها.
يفتتح المعرض بمجموعة من الأعمال الأخيرة على الكرتون المكشوف، حيث يشيع تغيُّر طفيف ولكنه محسوس في السطح والنبرة. لا تعمل عامر على القماش بل على صناديق كرتون مفروشة جُمعت من الشارع؛ تحمل أسطحها آثار الاستخدام بطيَّات وخياطة وعلامات باهتة تحت الرسم. عبر هذه السطوح المحززة، ترسم عامر شخصيات نسائية بالحبر بخطٍ جريء ومتماسك. يتحرك الحبر على تموُّجات الكرتون بجاذبية رشيقة، متمركزًا في النسيج ويلتقط الخشونة برقة. تقف الشخصيات على السطح بحضور هادئ، لا تصوّرها إيماءات مُصطنعة ولا تمثيليات مُبالغ فيها. الكرتون مادة مرور، لكنه هنا يتحول إلى موطن وصول؛ ما كان يومًا يحمي ويحتوي أصبح أرضية تحتضن الحضور بانفتاح. أي صدى لشاشة الطي التي كانت تُستخدَم لإخفاء الجسد الأنثوي يُقلب برفق؛ الصندوق فُتح تمامًا ودون مظهر احتفالي، والنساء تبقين راسخات ومتمتعات بالاعتماد على الذات في وحدتهن.
من هذه الأسطح الحميمة، يبدو أن الشكل يمتد خارج العمل ذاته. في «فتيات بالبياض والذهب» تتخذ إحداهن موقعها في المكان بهدوء واثق، محفوظة في البرونز برقة تقاوم تَخليدها كمَعلمٍ تذكاريٍ جامد. إذ عادة ما يُربط البرونز بالدوام والإرث العام، يوظفه هنا لإدامة حضور يشعر بأنه شخصي أكثر من كونه تصريحيًا. تدعو التماثيل المشاهد للتجوّل حولها، كأنّها تعترف بأن الحضور لا يُؤسر من نقطة رؤية واحدة؛ يصبح فعل النظر تفاوضًا لطيفًا تتشكله اليقظة والتبادل.
إذا كانت تلك المنحوتة تحتفظ بالجسد بكماله، فإن «أفكار مكسيكية في الأبيض» تسحب انتباهنا إلى الداخل، نحو حركة الفكر قبل أن يتحول إلى لغة. كجزء من سلسلة Thoughts المتطورة، يحمل العمل فورية أشكال تشكلها اليد غير المهيمنة، طريقة للتفكير عبر اللمس تقارب الكتابة الآلية بصيغتها البصرية. بترجمة هذه الأشكال الغريزية إلى البرونز، تحتفظ عامر بعفويتها الأصلية داخل مادة دائمة. تنحني القطعة وتطوى بإيقاع يبدو عفويًا ومرسومًا معًا، كما لو أن فكرة غير منطوقة أخذت شكلًا لحظيًا. السطح الأبيض الناعم يمنح العمل إحساسًا بالصفاء والتأمل؛ هو أقل غرضًا للتأويل وأكثر توقفًا فِكريًا محتجزًا بلطف في الفراغ.
ينطق التحوّل نحو الصياغة نفسه في «أنت ما تبحث عنه» حيث تتجمّع الفكرة في اللغة. هنا تُشكّل عامر نصوصًا عربية مكررة منسوبة إلى الرومي في شبكة كروية من حروف متشابكة؛ تصبح اللغة بنية. يمكن قراءة العبارة من زوايا متعددة، ما يوحي بأن المعنى ليس ثابتًا بل يتأثر بكيفية تنقّلنا خلاله. يعكس العمل إدراك عامر بأن التحول يبدأ داخليًا، وأن الحرية الشخصية والفنية تُغذَّى بالتأمل. يستمر انخراطها مع الترجمة، الثقافية واللغوية، وطرائق احتضان اللغة لالتقاء الحياة الداخلية مع الفهم المشترك. تشكّل المنحوتة جسرًا بين الشكل والكلام، حيث ما كان مُحسًّا يبدأ أن يُنطق.
يعود المعرض بعد ذلك إلى القماش، حيث تعود اللغة إلى المجال البصري في أعمال عامر المطرزة نصًا. في هذه اللوحات تخيط الفنانة اقتباسات وعبارات تتعلق بالهوية الأنثوية مباشرة في السطح. تكشف أعمال مثل «ثقافة الجسد» كيف لا تزال التوقّعات الاجتماعية تصوغ رؤية المرأة لذاتها وكيف يراها الآخرون. تستخدم عامر التطريز لتُعطي اللغة وزنًا ماديًا؛ فالكلمات لا تُعلَّق على القماش بل تُنسَج فيه بصبر وتكرار. غالبًا ما تتجمع خيوط مترهلة عند القاعدة، مشكلة عنقودًا ناعمًا يوحي باستمرار الفكر خارج الإطار. عبر هذه العملية، يتحول ما كان يُقاصى على أنه عمل منزلي إلى وسيلة للكتابة والتأليف؛ يصبح الخيط صوتًا، ويصير القماش صفحة تُحمل فيها اللغة وتُكرر وتتحقق على نحو ملموس. حضورهاا يبقى حاضرًا برقة.